الخميس، 3 يوليو 2025

Hiamemaloha

محكمة أوهامهم للدكتورة نجوى محمد سلام

 محكمة أوهامهم 


حاربوني لأنني حلمت، ولأن الحلم في عُرفهم جريمةٌ تُدان بالنفي إلى سجون الظنون. قيدوني بأصفادٍ من سوء الفهم، وحاكموني في محكمةٍ لا قاضٍ فيها سوى أوهامهم. كانت جريمتي، كما قالوا، أنني نسجت من الخيال عوالم، أطلقتُ فيها أرواح أبطالي ليعيشوا ما لم أجرؤ يومًا على عيشه.  


قالوا: هذا النص أنتِ، وهذه الشخصيات ظلالٌ منكِ. 

لكنهم لم يفهموا أن الكاتبَ مرآةٌ ملتوية، تعكسُ العالم لا ذاته، وتكسر الضوء لا لتخفيه، بل لتظهره من زوايا أخرى.  


كيف يظنون أنني قاتلة لأن أحد أبطالي حمل خنجرًا؟  

وكيف يحاسبونني على دموع شخصيةٍ رسمتها لتعانق مأساة الكون؟  

أنا أكتب لأُحررني، لا لأُعريكم، ولأصنع مآلاتٍ لم يكن للحياة أن تمنحني إياها.  


إن الخيال بحرٌ، وأنا مراكب صغيرة ترسو فيه دون إذن الريح.  

إنه فضاءٌ، وأنا نجمةٌ تحترقُ فيه، تتوهج لتضيء مساحات الغموض في هذا الوجود.  

إنه زمنٌ آخر، أفرُّ إليه حين تضيق سجون الواقع، وحين يصبح البكاء على الورق أكرم من الكتمان في الصدور.  


ولكنهم ظنوا أن الأبجدية أقدامي، وأن كل خطوةٍ فيها هي طريقٌ نحو حقيقتي. لم يفهموا أنني حين أكتب، أنسلخُ عن ذاتي. أكون كل شيءٍ ولا شيء؛ أكون المجرمَ والضحية، العاشقَ والخائن، البطلَ الذي لا يخشى النهاية، والجبانَ الذي لا يجرؤ على البدء.  


قالوا: اعترفي! 

قلت: بماذا أعترف؟

قالوا: بأنكِ تلك السطور، وأنكِ تلك الحكايات!  

فابتسمتُ، كمن يودع محكمة العبث، وقلت:  

إن كنت أنا تلك الحكايات، فهل منكم من كان بحرًا غارقًا ولم يتّسع يومًا لسفينة؟  

هل منكم من كان جبلاً يئنُّ تحت ثقل السحب؟  

أنا لست أبطالي، لكنني روحهم العابرة.  


أنا بريئة من جرائم أبطالي ، لكنني مذنبةٌ بالحب للخيال،  وعشق الأحلام ، مذنبةٌ بالفرار من سجني إلى عوالم لا حدود لها ، أطير إليها على جناح الشوق ، تدخلني إياها الأبجدية بلا روية . وإن كانت هذه جريمة،  فاشهدوا عليَّ جميعًا...  

أنني ارتكبتها عن سابقِ شغفٍ وإصرار.


لكنهم لم يكتفوا بالحكم، بل قرروا أن يسجنوا الخيال ذاته.  

قالوا: اقتلعي جذوره من رأسك، اجعلي الحروف صامتة، كوني مثلنا، قابلةً للقسمة على معايير هذا الواقع. 

لكن، كيف أشرح لهم أن الخيال ليس شجرة تُقتلع، بل هو نهرٌ جارٍ، كلما حاولوا سدّه، تحايل وشقَّ طريقًا جديدًا؟  


كيف أُقنعهم أنني حين أكتب، أنسج حبالاً تُبقي روحي معلقة فوق هوة هذا العالم؟  

أنني لو توقفت، سأغرق في صحراءٍ من الصمت، حيث لا حياة، ولا ماء؟  


أنا لستُ ما يقرأونه في نصوصي،  أنا الكواليس التي لا تراها أعينهم،  الليل الطويل الذي يسبق مولد فكرة،  الشرر الذي يسبق النار.  أنا الفوضى الخلاقة التي تسير بخطى متعثرة إلى الجمال.  


لكنهم، مع ذلك، أصرّوا على محاكمتي، ليس لأنني مجرمة، بل لأنني رفضت أن أكون نسخة منهم.  

إنهم يخافون الخيال؛  لأنه المرآة التي تعكس عجزهم،  النافذة التي تفضح قيودهم.  


صرخوا: أطفئى  هذا الجموح!

فقلت: وكيف أطفئ نجوم السماء إن كانت هي دليلي؟  

كيف أطفئ النار في روحي إن كانت هي دفئي في هذا البرد الطويل؟


إنني أعرف الحقيقة التي يخشونها:  

العالم كله يدار بالخيال ، بالأحلام ،   كل فكرةٍ عظيمة بدأت بحلم،  وكل ابتكارٍ كان في يومٍ ما قصةً مستحيلة.  


فكيف لهم أن يحكموا عليّ بالموت البطيء؟  كيف يدفنون حريتي في مقبرة أحكامهم؟  أنا لست مذنبة،  

لكنني سأقبل أن أكون جلادهم في ساحة هذا الفكر.  

سأُعلّمهم أن الخيال ليس سجنًا، بل هو الأجنحة التي تعبر بنا فوق كل حدود.  وسأظل أكتب،  لأن الحرف هو نجاتي،  

ولأن العالم لن يفهم إلا حين يصبح كلّ من فيه  مذنبًا... مثلما أنا.


د/ نجوى محمد سلام 

( الفراشة الحالمة  )

Hiamemaloha

About Hiamemaloha -

هنا تكتب وصفك

Subscribe to this Blog via Email :