الثلاثاء، 9 يناير 2018

مجرد طفل
بقلم الشاعر أسامة مصاروه
رأيْتُهُ مُمدَّدًا على الرصيفْ
وعندَ رأسِهِ كتابٌ ورغيفْ
طفلٌ جميلُ الوجْهِ ذو جسمٍ نحيفْ
قبلَ الربيعِ باغتَ العُمْرَ الخريفْ

كانَ مؤدّبًا مطيعًا ولطيفْ
وفي نشاطِهِ ومشيِهِ خفيفْ
لكنَّهُ لم يبدُ حينها نظيفْ
دمٌ غبارٌ مشهدٌ فعلًا مخيفْ

طفلٌ صغيرٌ ربّما في العاشرهْ
حفيدُ مجْدٍ في القرونِ الغابرهْ
لكنّهُ أضحى لجُنْدِ العاهرهْ
صيْدًا ألا تبًّا لجندِ الفاجرهْ

أمّا لِأُمةٍ كثيرةِ الذنوبْ
صامتةٍ بائسةٍ بلا قلوبْ
ماذا أقولُ إنّني أبكي أذوبْ
هل من حياةٍ في الهوانِ للشعوبْ

كانَ الكتابُ كالقتيلِ قانيا
والخُبزُ أيضًا كالشهيدِ داميا
لكنّهُ كانَ ملاكًا ساميا
وسوفَ يحيا في الجنانِ راضيا

وَطفلُنا هذا القتيلُ الجاثمُ
كيفَ انْتهى بِهِ المطافُ القاتِمُ
وكيفَ أرداهُ قتيلًا غاشمُ
بلْ غاصبٌ ومجرِمٌ وظالمُ

دامَ الحصارُ وقتًا طويلْ
ولمْ تجدْ أسرتُهُ إلّا القليلْ
ممّا يسدُّ حاجةَ العيشِ الذليلْ
والبيتُ إمّا في بكاءٍ أو عويلْ

عشرةُ أفواهٍ جياعٍ ونيامْ
في غرفةٍ واحدةٍ بلا طعامْ
كيفَ لهمْ أنْ يخرجوا ضدَّ الظلامْ
وضدَّ جُنْدِ القهرِ والموتِ الزؤامْ

فخلفَ جدرانِ بيوتِهمْ كلابْ
وفوقَ حيطانِ بيوتِهمْ ذئابْ
عيونُ رشّاشاتِهمْ مَعِ الحِرابْ
ترقُبُ ما يُفتَحُ من قفلٍ وَبابْ

خافَ الجميعُ أنْ يغادروا البيوتْ
فكلُّ من يغادرُ البيتَ يموتْ
وكيْفَ لا والعُرْبُ في كهْفِ السُكوتْ
أو رُبّما قدْ بلعَ الحاكمَ حوتْ

لم يدركِ الطفلُ حقيقةَ الخطرْ
فالجوعُ كافرٌ ولا ننسى السهرْ
وما يعانيهِ الصغيرُ من ضجرْ
فكيفَ للطفلِ إذنْ أخذُ الحذرْ

ودونَ أنْ ينتبهوا انسلَّ بِصمْتْ
إذْ كانَ جائعًا لِكسْرَةٍ وَزيتْ
سارَ بلا خوفٍ ولمْ يشعُرْ بوقْتْ
لكنَّ عينَ الغدرِ لاقتْهُ بِموْتْ
د. أسامه مصاروه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق