الجمعة، 27 يوليو 2018

#أحلام_دامية
بقلم ميلاد فلسطين

تحتفي الأم كل عام بذكرى عروستها إيمان أهلت عليهم بإطلالتها اﻵسرة وعيونها المتلألئة بلون السماء وخدودها المعجونة بالأقمار ،سلبت الناظرين إلى شاطئ بحيرتها الجميلة ،تنقلت بين المهنئين تتراقص بينهم وتقدح بشموعها الست حيث أضاءتها وسط تصفيق وترانيم موسيقى صاخبة،شذرات عطر وابتسامات رقيقة توزعها بين الحين والآخر على الحاضرين ،وبعد انتهاء الحفل انصرفت إلى مخدعها بعدما غشيها النعاس فغفت على سريرها تحتضن بطائرتها الورقية هدية والدها الجميلة ، نامت تضع حلمها الجميل تحت خدها ،تغازل فراشات الحقول وتعلو زرقة السماء ،استيقظت مع اشراقة شمس الصباح وزقزقة  العصافير وعيناها تشع نشاطا وحيوية وقد علت الحمرة وجنتيها ،وابتلع وجهها ضياء الفجر،أمسكت بطائرتها جذلى وصعدت بها الدرجات واعتلت سطح المنزل ،وألقت بطائرتها في الهواء وشرعت بإرسال الحبال لها ،فحملتها الريح وعلت بها ،واستمرت في العلو تجر بذيلها الطويل خيلاء تتقمص الألوان القوس قزحيه ،أرخت لها كل حبالها وهي ملتهية تداعب الهواء وتتراقص يمنة ويسرة،كعروس تزف في السفماء شامخة تناطح النجوم في عليائها براقة بألوان علم فلسطين المزروعة وسط أجنحتها، عيناها لا تفارقها تحدق بها وترصد كل حركاتها ،فكلما تمايلت وهزها الريح اهتز قلبها فرحا وطربا،يرفرف علم وطنها في أعالي السماء ،رضعت حب الأرض وعشق الوطن مع حليب أمها ،فلسطين أرض عشق تذوب في عشقها ،تعيش في غزة التي تغرق في الوجع والحصار والدمار ،وتصحو كل يوم على جرح ودمعة حتى فقدت الإحساس بالألم من شدته ،لم تعد طائرتها الوحيدة في السماء بل أتت طائرات تحمل بالهدايا في ذيلها تنثرها هنا وهناك ،فسرعان ما ألقت بهديتها على سطح المنزل ،واختطفت هذه الوردة وسرقت فرحتها ومزقت ابتسامتها العذبة ،وتناثر جسدها وأصبح بقايا نثار بشري ولحم مقدد عجنته بحجارة منزلها ،لا تستطيع كل أجهزة التزييف في الكون أن تزيف هذا الجرح لأنه وشم في جسد الشمس ، وهذه الجراح تلد جراحا جديدة  كل يوم ،فأصبحت في كل عاصمة ألف جرح وجرح ،غابت شمسها عن سحر الوجود ،وغابت ابتسامتها العذبة عن أوراق الورود ،لم تستطع الأم لملمة جراحها فلقد ارتشفت المرارات كلها ،واكتحلت برماد السواقي ،وتعلقت بضفائر الحزن المجدولة ،زحفت نحو الطبيعة تسري عن نفسها ،وتدهس الأحزان التي تحلزت بداخلها ،استقرت على حافة صخرة منيفة تستمع لشدو الناي وعزف الريح ،وقيثارة الحياة،تفتحت عيناها علي شجرة سنديانة كبيرة في سفح الجبل ،وهبت أغصانها الساحرة للطبيعة ،وجعلت منها محطة تتعانق فيها الطيور ومسرح للشدو والغناء،غادرت الطيور السنديانة وعلت صوب الشفق الاحمر الذي خلفته شمس الغروب،تخلف طائر وتبرع برسم ابتسامة وسط دموعي ،فصدح بأجمل الألحان العذبة والرقراقة ،أنشدته التنقل بين بلاد العرب ، فأشار علي بالبقاء داخل الوطن وصارحني بحقيقتها، فالأوطان لم تعد سوى عناوين ، قتلتها الردة ، وتمزق جسدها الواحد وأصبح ألف جسد وبات الخوف يتأبط النفوس ، والطفل يغفو على صدر أمه توقظه رشقات المدافع فيموت مرتين هلعا ومن شظاياها ، والناس تفترسهم أنياب الجوع وتمزق أمعائهم الخاوية ، وحالة الضياع تغرس بمخالبها ، فالمواطن يعيش في غربة داخل الوطن وخارجه ، والأوطان باتت سكة قطار للغربة ومحطات للاغتراب، وقبل أن يرحلني أزال العتمة عن حدقات عيني ، فبدت لي الأصابع التي تنثر الموت في العواصم وتزرع الأشواك والفرقة في كل جانب ، وتغرس في كل بيت الحسرات والآهات ، تفاجأت بأنها هي نفس الأصابع التي سرقت حلم طفلتي ، فعدت أدراجي أفكر في مصير ملايين المشردين والمعذبين الذين تحتضنهم شواطئ البحار والأنهار ، فلكل واحد منهم جرح معتق ، يجدف بمجداف الأوجاع ، يتأبط الأشواق والحنين ويتقافز للعودة إلى مرافئ الوطن بأشرعة من شظايا الدم والدموع.
بقلم: #ميلاد_فلسطين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق