الأحد، 25 نوفمبر 2018

جسور لا سور
(قصة وعبرة)
بقلم الشاعر رفعت خوري

كانْ ياماكانْ في سالفِ الأيامْ
فيما كما لوكانْ في عالمِ الأحلامْ
مبالغةْ أقلامْ , أسطورةْ أو أفلامْ

********

بحضنِ الطبيعةِ بينَ الجبالْ
حيثُ السلامُ وحيثُ الوئامْ
تسودُ السعادةُ بينَ الأنامْ
ويعلو الوجوهُ رضى وابتسامْ
يعيشُ أخانِ بأحلى وئامْ
يعيشانِ حباً كأحلى غرامْ
بيتُ عصامٍ قِبالَ نظامْ
وبينَ البيوتِ زهور وحمامْ

********

صمَّمَ إبليسُ هدمَ السلامْ
زرعَ سموماً فحلَّ الصدامْ
احتَّدَ الشجارُ تعالى الكلامْ 
توارى الحبُ وباتَ انقسامْ
شاءَ نظامٌ عزلَ عصامْ
فحوَّلَ نهراً بينَ البيوتِ
ليُحدثَ شرخاً عدى وانفصامْ

********

نجارٌ مرَّ ومعَهُ غلامْ
عَمَلاً يبغي وطلبَ طعامْ
طرقَ البابَ ففتحَ عصامْ
وبعدَ الكلامِ وردِّ السلامْ

وصمتٍ قصيرٍ تلاهُ كلامْ:
"منَ الأخشابِ لكَ مايرامْ
فشيّدْ جداراً بأعلى مقامْ
ليحجُبَ عني شقيقي نظامْ"

********

تململَ النجار, بلعَ لعابه , وصمتَ وقال :
قُلي بِربكَ ماجرى
يستدعي للعدوانْ ؟
هلْ كلمةٌ حمقاءُ تكفي
كي تهدمَ البنيانْ
عد للحوارِ وللرضى
لاترفع الحيطانْ

********

"إخرسْ بربكَ سيدي" 
أجابَهُ غضبانْ
"واصمتْ كفاكِ ثرثرةْ
وارفعْ ليَ الجدرانْ"
"فإلى المدينةِ ذاهبٌ
أَحضْرْ ليَ الحصانْ"
"سأشتري حوائجي
الملحَ والرمانْ"
"وأرسلُ رسائلي
وأحضرُ الدَهَّان"
"وأودُ عندَ عودَتي
أنْ أرى الحيطان"
ولكزَ حِصانَه
توارى في الوديانْ
وعادَ بعدَ ليلةٍ 
كانَ انتهى البنيانْ

********

إصبرْ قليلاً كي تَرى
هلْ كانَ سوراً ياتُرى
أو جداراً قد تَرى 
صنيعةَ الشيطانْ؟!

********

ما كانَ سوراً مابنى
بل كانَ جسراً قد بنى 
بينَ الضفافِ بالمنى
كي يجمعَ الأخوانْ
*******
اغتاظَ منَ النجار
صفَعهُ وثار
لمْ يُعطهِ الإيجار
طردَه غضبانْ

********

رأى نظامٌ جسرهُ
تناسى وأغفلَ جرحَه
سالتْ دموعُهُ نادماً
كالعاشقِ الولهانْ
بكى ألماً وقالْ:
أنا ابتعدتُ عن أخي
بالحقدِ والنكرانْ
وَضعتُ نهراً بيننا 
للفصلِ والنسيانْ
أما أخي فقد بنى
جسراً جميلاً بينا
كي يجمعَ الخلانْ

********

عبرَ لتوِّهِ باكياً
معتذرا ونادماً
عن مامضى وكان
تعانقَ الخُلانْ
وانتهى العدوانْ

********

بحثا عن النجارْ
في السهلِ 
في الوادي 
في الدار
اختفى كما لو طار
تلاشى كالبخار
قد غادرَ المكانْ

********

وياقومُ إني أراكمْ حيارى 
تريدونني أن أزيلَ الستارَ 
فمن كانَ ذاكَ الصبيُّ الوسيمُ؟
ونجارنا , أَيْ مَنْ عناهُ الكلام؟

وها إنني سأبوحُ جهارى
!!!!!!!!!   ؟؟؟؟؟؟

نجارُنا يوسفُ كانَ العبارةْ
وكانَ يسوعُنا ذاكَ الغلامْ

********

ماكانَ يوسفُ طالبَ أَجرٍ
بلْ حَلَّ طوعاً لِوَأدِ الخصامْ
لم يبغِ مالاً وجاهاَ وشكراً
يكفيهِ أنْ طاحَ بالإنقسام
وجاءَ المسيحُ ليعطينا درساً
بأنَّ التسامحَ أسمى وسامْ
ليبني جسوراً ويهدم سوراً
تموتُ الضغينة يحيا السلامْ
بخشبِ صليبهِ مدَّ جسوراً
ليبقى التواصلُ بينَ الأنامْ

رفعت خوري 
إسبانيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق