السبت، 26 يناير 2019

السيلة الحارثية*
بقلم الشاعر فيصل جرادات

على ميلاد بيدرها وقمح الصابر الجلد
وموسم صيفها يختال كالفرسان 
بين الحد والحد
تحلق سيلة(1) المجد
كحلم طوف الافاق مخترقا حدود الكره والحقد
يعود كوادي الجاموس(2) يزبد مثلما الطوفان
... بعد البرق والرعد
وتبقى سيلة المجد
تسيجها من الشهداء ارواح وتحميها
وفيها تفتح الابواب للجنات والخلد
ولا زالت كماالاطفال في ارجوحة الزيتون ترتاح 
وتحملها السواعد و الهضاب
وجرح جبينها الدامي يضمخه التراب
دعوني اغمس الاشواق في دمعات زيتون الصدور(3)
واقطع وادي اليامون(4) ركضا
وكالاطفال اعدو خلف اسراب الطيور
اقبل كل قبر في ثراها
والثم كل شق في الصخور
دعوني
لا ارى ابدا سواها
فبعضي في الجذوع وفي الجذور
يطالعني ببسمة ثغره الغرب
وتظهر من بعيد في علاها
ولم ينزع عن الساقين ثوب
فما زالت كما كنا نراها
مظللة باشرعة القلاع وبالحواري
مزنرة بهامات من الخروب والكينا
واطواق من الزيتون والغار
و بالشمس الجليلية(5)
بماء الشوق تغتسل
وشعر سابح والريح غربية
تلوح كقطعة الشفق
تطل على بيادرنا التي تذرى 
وتغفو تحت ظل اللوز عند هجيرة اللهب
تشتت غارة التعب
تحيل الشمس ان نامت على خد الغروب
القش اسلاكا من الذهب
وحين تمد اذرعها جذوع الخوخ مجهدة
تريح الزند فوق سلاسل الطرق
تمشط شعرنا من قبل ان نمضي مع الغسق
وان اومأت لحظك للشمال
وزقزق ضوء انوار التلال
تشع على المدىفي العين لؤلؤة الجليل على جبين الناصرة (6)
وتظل وخزا في يسار الخاصرة
وسماؤها تاج مرصع
تحتها ساج على مد البصر
مرج بن عامر(7) 
بحر ياقوت يدغدغه المقطع(8)
وذي كفاه فى بيسان(9) تعتصر الندى عن وجه طبريا(10)
حصاها الدر تحت خواصر الكينا
وفي جنباتها الأرياف كالاطيار ان حطت على قمح البيادر
نخبئه باعيننا 
ونحفره على الجدران نرسمه على خد الدفاتر
ونحفظه نشيدا كلما اختنقت اغانينا
وما زالت علي الشفتين نحكيها وتحكينا
وما زلنا مدى الازمان ننبش بعض ماضينا
ونخرج ما استكن بنا من الحب الدفين
ونجعل جرحنا زهرا لأغصان الحنين
و وجهك ناضر يبقى
كما الريحان في تلك الربى
ما زال صوتك حاضرا
عبقا برائحة الطفولة والانوثة والصبا
وتوشك فيك تعرفنا البيوت وان تسمينا
ولولا انها حجر
وفي تاريخنا يوما سيطلب ثأره الحجر
انا ما زلت احيا في فم الذكرى 
تعاودني الاماني فيك من حين الى حين
وصوتك في عذوبته يناديني
وفي نومي وفي صحوي وفي صمتي وانشادي
ورغم البعد والصد
تدغدغ ما تبقى من وريقات على اغصانها سكرى
وتطلق صرخة حرى
يشق فؤادها الوادي
فاهرع نحوها كالطفل للام
ويحكي البيت والساحات ماضيها
وتبقى في صدى وجداننا ذكرى
من الاشلاء والدم
....... 
فيصل جرادات

توضيحات:
(1) السيلة الحارثية – مسقط رأس الشاعر (6) مدينة الناصرة عروس الجليل.
(2) واد شمال غرب السيلة الحارثية. (7) رأس مثلثه مدينة جنين
(3) اسم للمنطقة ما بين السيلة وشارع حيفا جنين. (8) ينبع من جنين ويصب في البحرالمتوسط في خليج حيفا.
(4) يفصل اليامون عن السيلة الحارثية. غرب جنين (9) مدينة بيسان
(5) نسبة الى الجليل. (10) مدينة وبحيرة طبريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق