الثلاثاء، 16 أبريل 2019

#باب_الأمان 
بقلم الأديبة سميا دكالي 

استيقظت أمل باكرا بعد أن سمعت آذان الفجر....مدت بصرها إلى نافذتها وهي تسمع نحيبها لم تتركها العواصف تنام بسلام بعد أن زلزلت زجاجها ، فالنوم فارقها وما عدا في حياتها سوى الأرق والذكريات ..... لم يمضي كثيرا حين كان زوجها معها رفقة إبنها وابنتها ....كيف له أن يرحل إلى العالم الآخر ويتركها فريسة الوحدة والمعاناة؟؟

شعرت بغصة في حلقها لقد أحست بغربة موحشة تلتحف دواخلها بعد أن تاهت بين منعطفات الحياة ....لم تتمالك نفسها لتنزل عبراتها كسيل من المطر ، وبسرعة مسحتها بيدها مستغفرة ربها لتتوضأ وتصلي قبل أن تبدأ عملها الذي أورثها إياه زوجها .

صحيح مات ولم يترك لها أراضي ولا أموالا طائلة ولكنه علمها صنعة تقيها الحاجة وتؤمنها العوز ومد اليد ...كما أورثها بيتا متواضعا يحميها وطفليها من التشرد ، حيث كان يحتوي على دكان فيه تبيع الفطائر التي اشتهر بها زوجها وخصوصا الإسفنج المقلي في الزيت.....لقد كان لديه زبناء كثر يأتونه من كل صوب لاقتناء إسفنجه اللذيذ ، لما عرف به من إتقان للعمل والنظافة المعهودة أكيد سوف تحذو حذوه وتحافظ على سمعته.

لن تنساه أمل ما دامت على قيد الحياة أخلاقه الفاضلة تركت بصمة في قلبها تجلت في طيبته ورحمته .....لم يطلب منها يوما أن تساعده رغم كثرة العمل المتراكم عليه ، لعزة نفسه التي جعلته يتحمل لدرجة أنه لم يشتكي قط لأحد عن ما يوجعه ويؤلمه إلى أن سقط فجأة مودعا الحياة.

صدمة موته جعلت أمل تفقد أجمل شيء في الحياة هو الأمان ، لقد كان زوجها يمثل عكازها الذي تستند عليه من غدر الزمان .... لكنه في رمشة عين خانها فما بقي لها سوى نفسها التي باتت تخاف يوما أن تخذلها قبل أن تصل بطفليها إلى بر الأمان.

تعودت أمل قبل أن تخلد إلى النوم أن تعجن العجين حتى يختمر ويكون جاهزا للقلي في الصباح لتسد أفواها وبطونا جائعة ...أما طفلاها فتوصلهما إلى الحضانة المتواجدة بالقرب من بيتها لتشرع في عملها ....لقد نسيت نفسها كأنثى فدفنت كل أحلامها في أعماقها واستبدلتها بأحلام طفليها .....كما تولد في أعماقها إصرار لمواجهة الحياة وقسوة الظروف حتى تحقق طموحها في فلذات كبدها.....لن تجعلهما يشعرا بغياب أبيهما وإن كان ذلك سيستحيل عليها في بعض الأمور.

كانت أمل وهي مستغرقة في عملها تعصر العجين بيدها لتشكله دوائر فتضعها في المقلاة دون أن ترفع رأسها لتحدق بالزبناء.... لم تعد لها رغبة بالنظر إلى أي أحد بعد موت توأم روحها....  تساعدها في ذلك فتاة تعمل معها مازالت في مقتبل العمر ... لم يكن لها بديل للعيش أكيد الفاقة من دفعتها إلى العمل وإن كانت تفضل الأحسن ...هي حياة معظم شعوب دول العالم الثالت الذين يعيشون تحت وطأة الفقر لذا أغلبهم فضلوا الهجرة بحثا عن الأمان في بلدان أخرى مادام لم يعثروا عليه في أوطانهم.

...لقد عاهدت أمل نفسها أن تكون الأصلب في المحن والأشد عند النوائب أن تصبح الوطن الذي يحتضن طفليها دون أن تتوارى أو تنكسر ....هدفها رسمته بين عينيها هو أن تضمن مستقبلهما لا يهم ربيع عمرها الذي ستختزله الأيام والأحزان ما دام تعبها قد يؤتي أكله ويزهر عندما ترى ابنتها وابنها نجحا في حياتهما وقد حقق حلم أبيهما واستمرت مسيرة الأسرة رغم العوائق.

أمل تدرك أن تلك هي العبرة من الحياة فقد تعطيها يوما ما لم تتوقعه فجأة بقدر ما أخذت منها ، فلربما فقدها لزوحها قد يقويها للصمود أمام أي تيار..... وهي إن ذاقت مرارتها فحتما سيتغير طعمها في نهاية المطاف حتى تقف عند باب الأمان الذي ستحصل عليه بعد جهد جهيد وتحدي.

#سميا_دكالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق