الأربعاء، 8 يوليو 2020

عصافير المنافي للشاعر كامل بشتاوي

بقلم الشاعر كامل بشتاوي

عَصَافِيرُ المنافِي 
تَنَامُ عَلَى جُرْحِهَا 
وَ تَتّكِئُ عَلَى وَقْتِهَا 
فَيَنْتَظِرُهَا شُعَاعُ الشَّمْسِ
عِنْدَ أَطَرَافِ الْمَنْفَى
فَتَأْخُذُ قِسْطَاً وَافِيَاً
مِنْ غِيَابِ الْقَمَرِ
فَتَهْرُبُ الْفَرَاشَاتُ
مِنْ فَوْقِ زَهْرَةٍ كَسُولَةٍ
هِي لَمْ تَنْسَ أنِينَهَا 
وَ لَمْ تَسْتَيْقِظْ بَعْد
فِي الْمَنْفى طُيُورٌ بِلَا أجْنِحَةٍ 
وَ بِحَارٌ فَقَدت شَوَاطِئَهَا
وَ لَمْ يَتَسَنَّى لَهَا جَمْعُ الْأَشْلَاءِ
فَقَدْ نَسِيَتْ ذَاكِرَتَهَا
عِنْدَما رَحَلَتْ نوارسُها
وَ ضَاعَتْ بَيْنَ سَنَابِكِ الْخَيْلِ
وَ ضَبَابِ الْحَقِيقَةِ
وَ الْمَنْفَى الدَّاخِلِيّ
الَّذِي يسكُنُنَا عِنْدَ اِغْتِرَابِنَا
مُنْذُ سقوط غرناطة
وَ اِنْكِسَارِ قَنَادِيل الْمَسَاء
فأَصْعَبُ الْاِغْتِرَابِ
هُوَ اِغْتِرَابُ أَلِأَرْوَاحِ
وَ مَوْتُ الْأَمَلِ فِينَا
وَ اِنْكِسَارَهَا عَلَى الْحُدودِ
وَ عِنْدَ بَوَّابَاتِ الشَّمْسِ
مِنْ زَمَنِ حُروبُ الْقَبَائِلِ
وَ سُقُوط مَمْلَكَةِ بَابِلِ
يَحْتَلُّنَا الْهُرُوبُ وَالْخَوْفُ
عِنْدَ كُلِّ مُنَاسَبَةٍ حَزِينَة
فَيَغْزُو الْجَسَدُ الْمُسَجَّى
ذَاكِرَةَ الْمُخَيَّمِ الْمَنْكُوبِ
فَيُصَابُ الْوَقْتُ بِالْإِحْبَاطِ
تَنْشَغِلُ الْعَصَافِيرُ
فِي لَمْلَمَةِ الثواني
لِتُعِيدَهَا إِلَى مِينَاءِ الدَّقَائِقِ
لِأنَّ الْعُمَرَ بِضْعُ دَقَائِقٍ
تَتَخَلَّلُهَا نَسَمَاتُ فَرَحٍ
هَارِبَةً مِنْ وَرْدَةٍ عَاشِقَةٍ
فَرَّتْ مِنْ حَفْلَةٍ تَنَكُّرِيَّةٍ
كُتِبَ عَليهَا بِكُلِّ اللُّغَاتِ
اِمْضِي قُدُمَاً لَا وقَت لِلْبُكَاءِ
وَ خُذْ مِنْ وَقْتِكَ المتبقي
وَقْتاً لِشُرْبِ الشَّايِّ
وَ اُكْتُبْ ما تشاء فِي وَقْتِكَ
لِكَيْ لَا تَنْسَى حِصَّتكَ
مِنْ سُجُودِكَ الْيَوْمِيّ
وَأَنْتَ تَدْعُو لِزِيَادَةِ الْعُمرِ
وَ عُمرَكَ المتبقي لَا يُريدُ
سِوَى بِضْعَ دَقَائِقٍ تَكْفِي
لِإعْلَاَنِ التَّوْبَةِ وَ الْغُفْرَانِ
تَخْشَى مِنَ الْمَوْتِ هُنَاكَ
وَيَرْتَجِفُ جَسَدُكَ النَّحِيلُ
كَطِفْلٍ سَقَطَ فَوْقَ جَبَلٍ ثَلْجِي
اُطلبْ مَا تَشَاءُ وَ اُعْبُرْ
هناك فِي الْمُدُنِ الْكَبِيرَةِ
لَا يَعرِفُ أحَدٌ أحَد
الْكلُّ يَمْشِي مطأطِأً رَأَسَهُ
يُفَكِّرُ بِوَجْبَةِ الْعَشَاءِ
وَ كَأْسٍ مِنَ النَّبِيذِ الْمُعْتَقِ
فَهُوَ لَا يُلَاحِظُ مُرُوركَ
وَ لَا يُريدُ ذَلِكَ
لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِطَعَامِ الافطار
قَبْلَ ذَهَابِهِ للعَمَلِ
فَلَا تَسْأَلْهُ عَنِ الْوَقْتِ
لِأنَّ وَقْتَكَ المتبقي
مَا زَالَ عِنْدَ طَرَفِ الْمِينَاءِ
وَ بِقُرْبِ عَقْرَبِ الثواني
فَلَا تُخْطِئِ الْعُبُورَ
فَمَا زَالَ فِي الْوَقْتِ مُتَّسَعٌ
جَسَدُكَ الْمُسَجَّى لَيْسَ لَكَ
وَ عَصَافِيرَ الْمَنْفى لَا تَبْكِيكَ
بَلْ تَبْكِي بَيْدَرَ الْقَمْحِ
و أزهارَ اللَّوْزِ الْمَسْجُونَةَ
فِي أغاني الْعَاشِقِينَ
وَ رَغْمَ عُبُورَ قَوَافِلِ الْحِنَّاءِ
مازالت الْأَغْصَانُ يَتِيمَةً
تَبْحَثُ عَنْ وَطَنٍ وَ علمٍ وَ نَشِيدٍ
وَمَا زَالَتْ مَرَابِضُ الْفَوَارِسَ
بَاقِيَةً رَغْم مَطَرِ الشِّتَاءِ
تحلمُ بِعَوْدَةِ الْعَصَافِيرِ
تَمْسَحُ جِراحَ الْيَاسَمِينِ
هِي دَقَائِقٌ مِنْ وَقْتٍ لَيْسَ لَكَ
فَوَقْتُكَ مَرْهُونٌ بِعَوْدَةِ
أَطِفَالِ الْحجارَةِ
وَ خُرُوجِ يوسف مِنَ الْبِئْرِ
فَلَيْسَ لَدَيْكَ وَقْتٌ يَكْفِي
لِعَوْدَةِ الماضي
فَالْجَمِيعَ تخْلَّى عَنْكَ
وَ أَنْتَ وَحِيدٌ بِلَا مُسْتَقْبَلٍ
لا تنتظر مُعْجِزَةً سَمَاوِيَّةً
قَبْلَ أَنْ تُغَادِرَ مَنْفَاكَ
فَالْعَصَافِيرُ لَا تُغَرُّدُ بَعيدَاً عَنْ أَغْصَانِهَا
وَ وَقْتُكَ المتبقي هُوَ شُعْلَةٌ
لِلَذّينَ يعبرُونَ نَفَقَ الْأحْلَاَمِ
فَكُنْ أَنْتَ بَوَّابَةَ الْعُبُورِ

كامل بشتاوي

6/7/2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق