الاثنين، 28 سبتمبر 2020

حلم بطعم الملح للشاعر كامل بشتاوي

 .... حلم بطعم الملح..... 

بقلم الشاعر كامل بشتاوي

تمسح الملح عن شفتيها

تشد إزار ثوبها

تبكي وتجهش بالبكاء

لا شيء يفرحها

تراقب تلاطم الأمواج

وهروب الشمس

نحو بعد اخر لا تعرفه

وتنسحب الغيوم

نحو بلاد ليست بلادها

تتمنى ان ترافقها

لتكتشف أسرار الكون

تحرك يديها

تتمتم ببعض الكلمات

تسمع أصواتاً من بعيد

لكنها ليست أصوات نوارس

يرتجف جسدها 

وتنكمش على بعضها 

وكأنها قنفذ ماء محاصر

تؤلمها الجروح

فتضغط عليها لتُسكِنها

لكنها لم تتوقف عن البكاء

ليس بسبب الجراح

بل بسبب ما حصل لهم

أم تلقى بطفلها في عرض البحر

بعد أن فارق الحياة

والبحر لا يشبع ولن يشبع

من أجسادنا ابداَ

تصرخ الأم بحرقة

كيف تترك طفلها للبحر

صراخ وعويل 

و أمواج تداعب القارب

تلامسه من جو انبه الأربعة

فيختل توازنه

ليعلو الصراخ مرة أخرى

بحر مترامي الأطراف

وقارب يبحث عن شاطئ

أو ميناء صغير

ليستريح من هدير الموج

ومن هجوم الأسماك

التي تدافع عن موطنها

ضد الغزاة 

يتدافع الركاب فيسقط أحدهم

يبتهل الأطفال لله

ويدعون بكل الأدعية لينقذه

يمسكون بأطراف القارب

قبل أن يتحطم ويصبح أشلاء

لا أمل في النجاة

يقول أحدهم وهو يرتجف

يمسكون ببعضهم

والخوف يخطف قلوبهم

يتذكر كل منهم ماضيه

وهي ما زالت تهلوس

كأنها فقدت مقومات الحياة

وفي لحظة من الزمن

 تعج السماء بالرعد والبرق

 فيصيب كبد غيمة

فينهمر الغيث بسخاء

يمسح الملح عن الشفاه

وعن الأجساد المنهكة 

التي أرهقها الجوع والعطش

لكنها مازالت تتألم 

جرح في ساقها الايسر

و التواء في يدها

وغياب عن الوعي 

لم يفرحها ضوء القمر

ولا رطوبة الرمل

التي تلامس جسدها المرهق

تسأل نفسها أين أنا

أصوات تقتحم المكان

تحاول أن تتذكر 

تقول لنفسها كنا في القارب

أطفال ونساء وشيوخ

أين الجميع؟ 

أتذكر ان القارب تحطم

لكن عددنا كبير

ألم ينجو احد غيري؟ 

يا ألله هل ماتوا جميعاً؟ 

تجهش  بالبكاء 

وتحاول أن تخرج للضوء

وفي خضم حزنها

وبالرغم من ارتباكها الشديد

تسمع صوتاَ َمن بعيد

يناديها باسمها

ينتفض جسدها بقوة

هي تعرف هذا الصوت

لكنها لا تتذكر اسم صاحبه

هي تعرفه جيداَ

تفرك جبينها 

بحركة لا إرادية

تحاول أن تتذكره

يعود الصوت يناديها

ألم تتذكريني

تشد اعصابها تتململ

وتئن من الوجع

وجع جسدها الممزق

ووجع ذاكرتها 

تغيب في اللاوعي قليلاَ

تتذكر ملامح البعض

أثناء غرق القارب المطاطي

فقد قذفتهم موجة كبيرة

نحو الشاطئ الرملي

تتحسس جسدها 

لكي تخرج من دائرة الوهم

هل هي على قيد الحياة

وفي هذه الاثناء

يمر طبيب يضمد جرحها

الحمد لله على سلامتك

مرحبا يقول لها الطبيب

يسألها هل تسمعيني

لقد نجوت  من الموت

ترد عليه ألم امت

يقول لها لا لم تموتي

أنت بسبعة أرواح

لكن لماذا شفاهي مالحة؟ 

وأين ركاب القارب؟ 

لماذا لا أسمع أصواتهم؟

يقول الطبيب هناك بعضهم

وربما والدك بينهم

وهنا تذكرت الصوت 

الذي كان يناديها

نعم إنه والدي تصرخ

وتبكي فيختلط الفرح بالدموع

تتلعثم ببعض الكلمات

وهي تحاول الدعاء لله

لكن ما زال الملح على فمي! 

أليس لديكم ماء عذب؟ 

لقد جفت شفتاي من الملح

وأشعر بأن جسدي يحترق

ماذا أصابني؟  

لماذا الجراح تملأ جسدي؟ 

تسمع صوت امرأة تقول

إن حرارتها مرتفعة

سأحضر خافضاً للحرارة

هي مازالت بحاجة له

وبحاجة لكي تستعيد صحتها

لقد مرت بظروف صعبة

ما كان يجب ان تذهب للشاطئ

وتشاهد بقايا القارب المحطم

وأشلاء لفظها البحر

إنه منظر مؤلم حقاً تقول الأم

أطفال وشيوخ ونساء

يحاولون الفرار

يغادرون أوطانهم

فيموتون على الشواطئ 

و يدفنون في الغربة

قصص مؤلمة تكتبها المنافي

تتوقف الأم عن الكلام

تتفقد ابنة السادسة عشر

وهي مازالت تئن

يمر يومان على الحادث

وتبدأ الفتاة تستعيد وعيها

تناولها الأم فنجان شاي

وتربت على كتفها

وهي تقول لها بكل حنان

الحمد لله على سلامتك

تومئ الفتاة برأسها

وهي تنظر لوالدتها بذهول

وتقول مازالت شفتاي مالحة

وما زالت الآلام تنخر عظامي

والبحر يفتح ذراعيه

يدفن ما تبقى من احلامنا

في قاع صفصف لا حياة فيه

تتساءل مرة أخرى

لماذا نموت هكذا؟ 

ولماذا تصبح أحلامنا كوابيس؟ 

لا أريد أن أنام بعد الأن

سأبقى مستيقظة

 لكي لا أغيب عن الوعي

ولكي يزول الملح عن شفتاي

فأحلامنا يغتالها القراصنة

ويمزقها ابن أوى

وتقتلها رياح الخماسين

ثعابين تمتص دمنا

وتلقينا في وادٍ سحيق

ذئاب تجول في الأرجاء

أجساد يبتلعها البحر

فمن سيعيد لنا حدائق الورد

و صباحنا الندي

ومتى ستطرح الأرض

قَمحاً وزهر غارٍ وجلنار 

كامل بشتاوي 27/9/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق