بقلم الأديبة آية أبو عجوة
في لمح البصر اختفت جميع عائلتي
ولم يتبقى لي سوى طفلٍ رضيع متعلقٌ بي أكثر من أمه طفلي عمر دوناً عن إخوته رفض الرضاعة من أُمه رغم محاولاتنا العديد وأخذه إلى جميع الأطباء والشيوخ كأنه يشعر بأن أُمه ستُسلب منه يوماً فكان يُهيء نفسه لهذا اليوم حتى يقل ألمه
دفعه الله للتعلق بي أكثر من أُمه ليصبر على فراقها ولكن أنا كيف سأصبر وأُضمد جراحي لم أفق بعد من ذالك الكابوس الذي لازلت أراه كل ليلة وأشعر بأنه لم ينتهي كل ليلة أستيقظ مفزوعاً من نومي بعد أن أرى مشهد الصواريخ تسقط كالمطر علينا وأسمع دوي الإنفجارات فأركد مسرعاً لإنقاذ زوجتي وأبنائي الأربعة ولا أستطيع لا زلت أذكر ذالك اليوم جيداً ذهبت زوجتي وأبنائي لزيارة منزل أخيها ترددت قبل إرسالهم بسبب الحرب لكني قلت في نفسي بيت أخيها مجاور لبيتنا لا يعقل أن يصيبهم مكروه سأدعهم يذهبون فاليوم عيد يلعبون مع أبناء خالهم لينسو قليلاً الرعب الذي يعيشونه كل ليلة وكل سماع صوت القصف وصوت الصواريخ وينسو صرخاتهم وركدهم وإلتمامهم حولي
وافقت على ذهابهم من كثرة مألحو عليا قال لي ابني الأكبر دعنا نذهب ياأبي فأنا أتمنى أن أرتدي ثوب العيد الجديد بأي طريقة ولأي سبب قلت له نحن في حرب يابني لايوجد عيد بالحرب قال لي ماالمانع من أن أرتديه فأنا أشعر برغبةٍ شديدة بإرتدائه أتمنى أن أراه كيف يبدو عليا فقلت له اذهب أنت وإخوتك وارتدوا ثياب العيد فذهبوا وارتدوهم وكانوا بأبهى حلة رأيتهم بجمالٍ لا مثيل له من قبل كأني أراهم لأول مرة كان النور يشع من وجوههم قبلتهم ثم غادروا جميعاً وجلست وحدي بالبيت وكنت في حالة رعبٍ شديد وقلق كان قلبي يؤلمني وكنت أنظر إلى الساعة كل ثانية أرتقب موعد عودتهم نهضت من مكاني وصرت أمشي في البيت لا أستطيع الجلوس من شدة القلق وفجأة فإذا بصوت صاروخٍ قريب من البيت ذهبت مسرعاً إلى النافذة
ورأيت الصاروخ وهو يسقط كان بإتجاه منزل أخو زوجتي فأشرت إليه بيدي وصرخت بأعلى صوتي لااااااا شعرت حينها وكأنه سيسلب مني أطفالي الأربعة وزوجتي كنت متأكداً أنه نزل على المنزل الذي هم فيه نزلت من البيت مسرعاً بإتجاه منزل أخو زوجتي فإذا به ركاماً نظرت إليه بحسرة وقلبي يعتصر ألماً والدموع تسيل من عيناي كالسيل وصرت أصرخ بأسماء زوجتي وأولادي بأعلى صوت كم كانت مأساةً مروعة وبدأوا بالبحث تحت الركام لعل أحدٌ منهم على قيد الحياة فإذا بهم ينتشلوا الجث المتتالية واحدة تلو الأخرى كانت أعدادها كثيرة فكان في المنزل عائلاتٌ كثيرة فهو من عدة أدوار وكان مظهرها مروعاً وكان بعضها ممزقاً أشلاء جلست في زاوية وبدأت ألوم نفسي لماذا قمت بإرسالهم ليتني منعتهم من الخروج هل الذنب ذنبي أم ذنب ذاك المحتل المجرم الذي لم تأخذه رأفةً ولا شفقة بأطفالٍ ونساء آمنين داخل المنزل قلت في نفسي أنا أرسلتهم لزيارة بيت خالهم لم أرسلهم لقتال العدو في الجبهة لا الذنب ليس ذنبي إذاً هو ذنبُ من ؟!من الذي خطف أولادي من حضني وحرمني منهم ومن أمهم
وفجأة وأناغارقٌ بأفكاري فإذا أحدهم يصرخ هناك صوت طفل ٍ رضيع ينبعث من تحت الأنقاض فنهضتُ مسرعاً من مكاني وقلت عمر ذهبت أفتش معهم عن مصدر الصوت فإذا به طفلي عمر الذي يبلغ من العمر ستة أشهر وجدوه على قيد الحياة أخرجوه من تحت الأنقاض وهو ممتلئ بالغبار والدخان وأسرعوا به إلى المشفى لينقذوا حياته حمدت الله حينها أنه أبقى لي أحداً من عائلتي ولم يدعني وحيداً وأخذت طفلي الصغير بحضي وعُدت إلى منزلي أحمل على ظهري أثقالاً ليس لها حدود وحين وصلتُ إلى المنزل وحيداً أنا وطفلي تذوقت طعم المرار والحرقة تجولت بالمنزل نظرت إلى غرفة أبنائي بدأتُ أُ مسك بثيابهم وأشتم رائحتهم وأبكي نظرت إلى الحصان الذي كان يركب عليه إبني الأوسط فإذا هو فارغ تخيلت منظر إبني على ظهره وتخيلت أخوه الأصغر وهو يمسك به ويقول له إنزا الآن دوري أريد أن أصعد ،وفجأة أغمضتُ عيناي وفتحتهم فإذا بي أتخيل ركضت مسرعاً للصالة نظرت إلى المطبخ فإذا بزوجتي تُعد الطعام وتنده للإولاد ليتناولوا طعام الغداء نظرتُ إلى وجهها متبسماً فإذا بها تتطاير بالهواء كالبخار إستيقظتُ من الخيال على صوت طفلي عمر يبكي يريد أن أُعد له رضاعة الحليب ذهبت أعددتها له كنت أنا من يُعدها له دائماً منذ ولادته لاأعلم ماالسبب كنت دائماً متقرباً منه وأهتم به كما لم أهتم بأحد من إخوته وهم بعمره بهذه الطريقة كأني كنت أعود نفسي على رعاية الأطفال وأتعلم كيفيتها
لأستطيع المُضيّ وحيداً مع هذا الطفل اليتيم.
يقلم آية أبو عجوة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق