الخميس، 24 يونيو 2021

قصيرة هي الحياة للدكتور المفرجي الحسيني

 قـــصيرة هـــي الحـــياة

بقلم د.المفرجي الحسيني

أفتخر إني فلاحٌ أهلي  ،الطين تعودهم... ،ينام في طيات أسمالهم كالأحزان ،تُثمر في حدقات عيونهم ،الغِلة وغابات النخيل ،لا يُخطئ أقدامهم إيقاع المسحاة  ،أهلي اعتادوا السل والسرطان وأنين المحتضرين

  لهم فرحهم وحزنهم ،يدخنون النارجيلة واللفائف ،يرشفون الشاي والقهوة ،يصفقون، يرقصون  يغنون، ينشدون،  يرددون الشعر الشعبي

  يجوعون ،يشبعون ،يجلسون في المقاهي الشعبية ،أهلي بسطاء لهم أحلامهم ،تولد وتنمو ثم تقتل في القلب ،أبي فلاح تآخت قدماه مع الشوك ،فما عاد الوخز يوجعهُ ،تعلم من الوخز الصبر على الآلام ،لو لم يمت بسرطان الإشعاع  ،حتماً يسألني عن الفقراء  ،الخبز لأفواه الجياع

 يسألني عن الحضارة والتحرير ،آمنت وتأكدت أن أبي صادق غير كذاب ،غادر الدجالون وعادوا مع الشيطان بكذبة واحتيال ،آن أوان الأمراض بالسرطان ،اذبحوا، اقتلوا، اقهروا، انهبوا ،كل العذارى وكل الكتب  ،كل الأقلام كل الشعر  والأدب  ،أعطونا القنبلة ،يقضُّ مضجعهم لحنُ الوطن الواحد ،خطوات العقال العربي الجبار ،تنادى الدجالون زرعوا الفتنة على أسمال الفلاحين وأناشيد الأطفال  ،وطني أثقلت سنواتك الجراح ،أيامك الحبلى بالفرح ،سيجعلها الممسوخين رعباً ليلَ نهار ،باعونا بأباخس الأسعار!! ..لا أحلم لكني أرى أسمع أتكلم في الصباح عند الظهيرة حولي غابات من بشرٍ يتنفسون ،الهاجس في نفسي ،صوت يوسوس في قلبي وعقلي ،أدخل الغابات الليلة ،تتلاشى السحب السوداء ،تفّر طيور الغاب والأسود ،سُحب الفقر والجوع تتطاير في الأفق ،تنزلُ دم تسقي الأشجار العطشى ،طبول الطوفان يخفق في الصدور ،يلمع في العيون ،الليلة يولد نهر في الصحراء، ثياب من الوهم تنسج  وارغفةٌ من دقيق العلقم تخبز  ،درب رغبته لا تصدأ ،موج متصل يتسع للأفق الأبعد ،ترحل السفن إلى الآفاق المضيئة لا يملأ الحزن أشرعتها البيضاء ،مادام الموت قدراً ، يكفيني يوم من العمر أقضيه متعبداً ،لم نطفئ كالضوء في المياه ،أريد العودة للنهرين... النار المتّقدة في موقد منزلنا  ،مازال دفؤك يملأ الفناء  ،عروقي مثل جراحٍ  غائرة في صدر والدي الكفيف ،عرفت الطريق بإضاءة قنديل عينيه ،جراح صدره... سفن تمخر بي بحار الشمس، تغطيني كشراع، البلبل الغرِّيد غرِّد فجراً بأعذب الألحان ،رمل أورق دم، أورق دموع، هنا تحرقنا شمسنا ولا تضيء ،أرضنا ماؤها ،حليبها سموم ،قمر الكرخ حبيس يخنقه جدار ،تمنحنا قليل من رحلة العمر القصير ،عمري لا يزال في العشرين  ،عندما اجتاحتنا عواصف التتار ،ربما يزيد قليلاً من العذاب، بلا عطر كشجرة دفلة  ،سأعيد للزمان حكايات علي بابا والسندباد وأطوي البحار، إرادة قوية ، يد معروقة زرقاء ،من يشتري السرور والأفراح من شاب عند المساء؟ ،ماتت الشمس في عينيه مثل موت البعير ،بيته خالٍ لا نور إلا من حصير ،ذوائب قنديله مثل أهداب الضرير ،أرضنا مقبرة فيها عظام موتانا، لم تنبت الزهور ،ماتت دنيانا إثر الطاعون الأسود المشؤوم ،من يشتري مساءنا ،نهارنا أرواحنا ،لعيون دار السلام؟ ،عيونها تبرق كفانوس من بعيد ،ضفيرتها عرق النخيل ،قرطها  منارة من ذهب، يا كحل العيون مبخرة تفوح بالعطر بالطيب

 يا أمي الحنون ...

**********

المفرجي الحسيني

قصيرة هي الحياة

العراق/ بغداد

24/6/2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق