إضاءات نقدية بقلم الأستاذ،جمال عتو
نلتقي اليوم مجددا في فقرة إضاءات نقدية بمنتدى نبض القلم للشعر والأدب متناولين نصا قصصيا قصيرا موسوما
ب " انتظار أم احتضار " للكاتب المغربي عبد العزيز قدوري .
النص يتحدث عن شخص يهم بالالتحاق بمكان لإجراء مباراة في موعدها المحدد بعدما استيقظ باكرا ليجد نفسه أمام حمام بطابور من الجيران وفقدانه الماء ، وحافلة تقله إلى مؤسسة المباراة لم يتمكن من امتطائها لكثرة الركاب مما دفعه إلى التوجه على رجليه مسرعا يسابق الزمن ، وجد بعدها حشودا من الشباب المترشحين ينتظرون أدوارهم لإجراء المباراة ، كان " رقم دوره بين الحضور ثلاثي الأرقام"
انتظر لساعات يلفها القلق والملل ، صار يكلم نفسه كالمجنون ويهذي كالمحموم ، عندما حان دوره وجد نفسه وحيدا وقد بلغ إلى علمه بأن لجنة المباراة غادرت لتناول وجبة الغذاء ، ليتفاجأ لاحقا أنها بصدد المداولة وأنها قد أغلقت باب الترشيح ، خرج مرتبكا ليتوجه نحو سلم عمارة المؤسسة بدل المصعد فيتدحرج ساقطا من أعلى السلم إلى أسفله ، تهشمت عظامه فيحمل إلى غرفة الإنعاش بمستشفى ويظل مسجيا على عربة بين الحياة والموت .
النص اشتغل على مفهوم العطالة عن العمل ، فبطل قصتنا على مايبدو من القصة شاب متعلم هم بالالتحاق بمؤسسة المباراة ونظرا لوضعه الاجتماعي البئيس فهو يستقر بمسكن مشترك مع الجيران ويتوفر على حمام واحد معطل صنبوره ، معاناة الشاب ستبدأ بالحمام لتنتهي بنكسة عدم تمكنه من إجراء المباراة مرورا بوجود حافلة مكتظة لم تسعفه ركوبها وانتظاره الطويل لساعات لدوره في المثول أمام لجنة الترشيح وسقوطه بعد ذلك متدحرجا من أعلى سلم عمارة المؤسسة إلى أسفله ليجد نفسه في غرفة إنعاش يواجه قدرا غامضا بين الحياة والموت .
الحظ التعيس الذي رافق بطل القصة ما هو إلا مشهد أصبح ملازما للشباب العاطل عن العمل ، والإقبال الهائل على إجراء المباريات قصد الولوج إلى ميادين العمل ما هو إلا انعكاس لتفاوت الطلب عن العرض ، ثم أن الأمل الذي لازم البطل في اجتياز المباراة ووجه بمنغصات أجاد الكاتب في وصفها بدقة بالغة ، لم يستسلم الشاب أمامها إلا وهو جثة شبه هامدة بغرفة إنعاش .
فهل بطل القصة كان حيا يرزق حتى قبيل توجهه إلى حمام مسكنه المشترك ؟
مشاهد القصة تحملنا طوعا أو كرها إلى أن البطل كان يصارع الموت في كل لحظة وكأن الحياة عبست في وجهه بدون رجعة ، لكن واقعه رغم مرارته فهو المعاش نجح الكاتب في وصف تفاصيله ، ولا أخفي إعجابي بدقة الوصف غير مستبعد أن الكاتب نفسه عاش بعض ما عاناه البطل في الواقع ، لأن الكاتب لن يجيد الوصف في السرد إلا لمعايشته عن قرب ما يود ايصاله بين سطور النص .
النص اشتغل على مفهوم الانتظار المشوب بالأمل ، وهل ما يبقينا على الأمل سوى الانتظار ، وهل ما يبقينا على الانتظار سوى الأمل في الوصول .
كما اشتغل النص على المفهوم النفسي لشاب متعلم يريد الانعتاق من وضع اجتماعي غاية في الهشاشة ، هذا ما بدا لنا جيدا في الارتباك الواضح الذي رافق البطل في القصة .
ثم هل الحياة هاهنا عادلة حتى يجازى شاب أراد الانعتاق والاعتماد على النفس بوجوده أخيرا مسجى على عربية بغرفة إنعاش بين الحياة والموت .
القصة القصيرة التي بين أيدينا تشخيص بالغ لآفة العطالة وانعكاسها على نفسية صاحبها ، وهي آفة منتشرة في كل بلداننا العربية وجب النظر إليها كأولوية قصوى ومحاولة احتوائها ومعالجتها .
النص استجاب لمحاور القصة وعناصرها من بداية ونهاية وشخوص و زمان ومكان وعقدة وانفراج غامض .
أسلوب النص جنح الى السلالسة الموصلة إلى المعنى .
ويبقى نص اليوم عميقا عمق الموضوع الذي اشتغل عليه دام تناول ظاهرة العطالة وآثارها الوخيمة على المعني والمجتمع .
إلى أن نلتقي في الأسبوع القادم مع نص آخر نستودعكم الله.
____________________"""""""""""_____________________
انتظار أم احتضار!
استيقظ باكرا عساه يلحق موعد مباراة طالما انتظرها دون تأخير...قصد الحمام فوجد طابورا من الجيران ، صفا ممتدا في الزمان و المكان...انتظر ردحا من الزمن و لما وصل دوره فوجئ بالصنبور لا يقطر ماء...قضى حاجته متذمرا ثم خرج نجسا دنسا...ارتدى ملابسه دون كي و حذاءه دون تلميع...و كيف يتسنى له ذلك وسيف الزمن يقطعه طولا و عرضا...نزل الى الشارع رأسا و قصد محطة الحافلة....انتظر قدومها للحظات و ما أن وصلت حتى وجد نفسه محمولا على أكتاف الحشود مرفوعا لا تلمس رجلاه الأرض...فجأة سقط من عل على قارعة الطريق يخنقه دخان الحافلات من حواليه تتحرك جيئة و ذهابا....نهض بعدما استفاق من غفلته تأبط محفظته و أطلق رجليه للريح في سباق مع الزمن متوجها رأسا نحو المؤسسة مكان المباراة... وصل العمارة ووجد الشباب حشودا بملفاتهم ينتظرون المصعد ليقلهم الى الطبق السابع حيث مقر المؤسسة .... انتظر دقائق طويلة قلقا متوترا... صعد إلى المؤسسة... وجد قاعة الانتظار ملأى بالمترشحين... كان رقم دوره بين الحضور ثلاثي الأرقام مما جعله يجلس منتظرا لساعات طوال، ساعات كلها قلق و ملل مرت بين الجلوس على مقاعد مهترئة و الوقوق بين حيطان تكومت عليها الأدران و اعشاش العناكب اش العناكب.. يكلم نفسه كالمجنون ...ويهذي كالمحموم ...نودي عليه فلما دخل إلى مقصورة اللجنة وجد نفسه وحيدا...جلس للحظات استفسر فأخبر بأن اللجنة قد غادرت لتناول وجبة الغذاء....و عند رجوعها تفاجأ بولوجها مكتبا آخر خصص للمداولة... دخلت إحدى الموظفات و أخبرته بأن اللجنة قد أغلقت باب الترشيح...خرج و بدل ان يقصد المصعد ولى وجهه نحو السلم...تدحرج ساقطا من أعلى السلم الى أسفله...تهشمت عظامه...أخذ إلى المستشفى و منه إلى غرفة الإنعاش...و ما يزال المسكين أمام عتبتها مسجى على عربة بين الحياة و الموت يحتضر لا ندري أينتظر موت قاض أم إنعاشا تاج ...
قدوري عبدالعزيز ورزازات المغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق