الجمعة، 31 ديسمبر 2021

من خالط العطار للشاعر الحسين صبري

 من خالط العطار نال من طيبه

من جاور السعيد حتماً سيسعد

وأني أجاور بل ملتصق بالسعادة ولا أرى بهجةً ولا فرحاً ولا سرور وكأن السعادة شحيحة جداً وبخيلة أيضاً فأنا لا أريد منها (حَفْنة) بل أردت أن تمد لي بيدها بعضًا من السعادة ،كنت أحتاج (قطعة) صغيرة فقط  حتى أضعها في فمي وأمضغها فنحن في بلد تمضغ فيه السعادة ولكن السعادة التى أجاورها تحدِّق بعيناها  كلما أقتربت أكثر ،حتى قلت لنفسي ذات يوماً هل السعادة نفسها سعيدة أم أني أتوهم دوماً.


فصل الشتاء هذا العام شديد البرودة وقارص جداً ولا غيث قادم حسب أحوال الطقس والله أعلم وانتَفى الشَّجر من حديقة مدينتي وما تبقى منه لم يعد زاهي المنظر فلم تتجدد أوراقه ،غابت الازهار والعشب لم ينبت بعد وهناك من بعيد ألمح زهرةً بيضاء وحيدة حزينة  تحوم حولها نحلة بغيت مص رحيقها،تغوص النحلة داخل الزهرة لبضع ثواني ثم تخرج مسرعةً بعد أن ملأت كفيها بالرحيق وأعتقد بأنها أخدت (حفنة) لابأس بها وكأني أرآها سعيدة جداً من حركة جناحيها بل تتمايل من السعادة رقصاً ولم أزحزح نظري عنها حتى اختفت عن ناظري،أقتربت من الزهرة وكأنها صارت أكثر نشاطاً وإزدادت فوحاً وأريجها عبق المكان و أزدادت بياضاً كذلك رغم (سرقت) رحيقها 

هنا للصمت والتأمل حكاية فالسعادة أخد وعطاء وليس السعادة شيئاً (نغرَّفَ) منه بل أعطي لكي تسعد وإن أخدت فماذا ستفعل،تلك النحلة أخدت ولكنها صنعت عسلاً وفي ذات الوقت جعلت الزهرة أكثر إشراقاً


آلم تجد السعادة عند طفلا أعطيته حلوى آلم تشعر بالسعادة مثله


فالسعادة كيان حي يشعر كذلك ويتألم ،السعادة في كل الأشياء الصغيرة قبل الكبيرة،قد تكون السعادة كنهر يجري أمامك ولكنك لا تستطيع أن تغمر يديك منه وغيرك مجرد النظر فقط إلى ذاك النهر المتدفق سيشعر بالسعادة وكأنها تحتضنه

السعادة موجودة في كل مكان فقط أعزف على مفاتيحها وسترقص معك ولكن حداري أن تكون مثلنا فنحن نمضغ السعادة مضغاً كقطعة (اللُّبان) نلوكها بأسناننا ثم نقدفها بأفواهنا لتمر على شفاهنا المتشققة بفعل الثرثرة وتلتصق بالأرض فالأرض هنا هي مصدر السعادة ،فنحن في بلدي نلتصق بالأرض ولكن بلا شعور السعادة لأننا نأخد منها ولا نعطيها بل اننا ندمرها ونجعلها تبكي ولذلك لن نعرف لون السعادة ولا رائحتها ولا حتى طعمها رغم مضغنا لها


إن المقبلات التى تأتيك قبل الأكل تشعرك بالسعادة والشبع قبل الوجبة الأساسية ،نحن لا نقدم للوطن شيئاً ودون مقبلات نأكله فقط دون شعور بالشبع،نمزق جسده ونأكل لحمه ونمتص عظامه وبعدها لاشئ نمسح بكفنا ماتبقى من دمائه على شفاهنا المتشققة واللسان يتحرك ليزيل ماعلق من جسد الوطن في فراغات أسناننا ثم نحتسي كأسًا من السعادة بطعم المرارة ونبتلعه بلعًا حتى لا نختنق.


#الحسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق