الأحد، 5 يونيو 2022

حارس الجبل للشاعر محمد أبو حكيم

 حارس الجبل ..


مات إخوتي ؛

حزنتُ كجميع المفجوعين ،

مات والدي

حزنتُ أكثر ،

ماتت أعز صديقاتي ؛

بكيتُ من ألم الفراق ،

ثم كانت الضّربة القاضية ؛

مات زوجي العزيز

في عِزّ شبابه ..

لم أبكي ؛

نضب الدمع في عيوني 

لم أحزن ؛

تبخَّر الحزن ..

حَملتُ ما تبقَّى من حطامي 

قصدتُ الرصيف

أنتظر سفينة تحملني

للضفة الأخرى'

قيل لي :

إن بها ما فوق الحزن ..

جاء رئيس الميناء ، أخبرني :

تعرضت السفينة

لعاصفة هوجاء

 في عرض البحر ..

غًرِقَت ..

أصبتُ بإحباط شديد ..

قصدتُ الجبل الذي

يراقب مآسينا

و كُلّي عَزم أن أتردَّى' من قِمَّته ؛

لتختفي كل الشظايا المُتبقية 

داخل ذاتي التعيسة ..

فجأة ؛ برز أمامي

شيخ وقور

يحمل على ظهره

أثقال عمر مديد ،

حفرت تجاعيد السنين 

في وجهه أخاديد ..

قال : لا تُلقي بنفسك

في الهاوية يا صغيرتي ؛

ليس في الأعماق إلا

الذئاب و الثعابين ..

قلت : كرهتُ الحياة ،

في الموت سعادة أبدية ..

إفترَّت شفتاه عن إبتسامة غامضة ، 

قال : لا سعادة في الهاوية ،

و لا شئ بعد الموت ؛

فقط ؛ سُكونٌ سَرمدِي ،

و عظام نخرة ..

قلت : أَخبرُونا ...

قاطعني :

لا أحد مات 

و عاد للحياة

ليُنبئَ الناس بما رأى ..

في الموت الرهيب

تكمن الحقيقة ؛

و الحقيقة خرساء صماء ..

سألته : و بماذا تنصحني 

أيها الجليل ؟

أجاب : تَبَتَّلي كمريم العذراء ..

قلت : و إن فاجأني المخاض 

عند جذع تلك النخلة ؟

قال : تلدين يسوع الثاني

عساه يخلص العالم

من أوزاره  الثقيلة ..

قلت : حتما سيصلبوه ؟!

قال : البشرية تُصلب كل يوم

 آلاف المرات ..

قريبا تَعرُجُ أرواحنا للسماء ..

قلت : و من يَصلِبنا ؟

قال : الأشرار الأقوياء ..

قلت : فإن أبادونا جميعا

فمن يُبيدهم ؟

قال : القوي الأعظم ؛

سيهشم الرؤوس الحمقاء ..

قلت : و ماذا سيحدث بعدئذ ؟

قال :

سيتَشظَّى' كوكب الأرض الجذباء ،

و تبتلعها مجرة 

خارج المجرة ..

لم أعد قادرة على

مُجاراة الشيخ الوقور ..

صمتتُ عاجزة ..

ربَتَ على كتفي ،

و ضع يدي في يده ،

تحرك ، فتبعته

كهرة مطيعة ..

أخذني لمعبده 

في أعلى الجبل ..

و هناك ...

فوق عباءته ..

لاطفني ، ففرحت ،

قبلني ، فضحكت ،

عانقني ..

امتزجت عواطفي

بعواطفه ..

همس في أذني :

الدموع إذا جفَّت

و الأحزان إذا تبخرت ،

و الأحاسيس إذا تبلَّدت ؛

مات فينا الإنسان ..

و احتواني في أحضانه ..

في الصباح الباكر ؛

 أيقنتُ أنه تزوجني ..

إستيقظت خفيفة كريشة ،

فتحتُ باب المعبد ؛

كانت هناك مَعزة جبلية ..

حلبتُ ضرعها

في إناء من فخار ..

كان الحليب مدرارا ،

شربناه معا ..

سألني :

كيف حالك ؟

أجبته : بخير ،

عادت الدموع لعيوني

و الحزن يملأني ..

 و مع ذلك أحس بالسعادة !!

قال : من لم يتألم 

لن تعرف روحه السعادة أبدا ..

و سألته بدوري :

من أنت أيها الشيخ الحكيم ؟

نهض من مكانه ،

إرتدى' عباءته ،

حمل عصاه على كتفه ،

و أجابني :

أنا سَيّدُ الجبل ،

أضئ قناديل الليل

عندما تغرق المدينة

في ظلام تعاستها ..

ساق المعزة

يهُشُّ عليها بعصاه ،

و مضى' يرتادُ الجبل ..

لا زلتُ أنتظر مولودا

سيكبر يوما ،

و يضئ وجه القمر الشاحب ..

طبعا إذا لم

نندثر للأبد ..


محمد أبو حكيم 


السبت ؛ 4 حزيران - يونيو 2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق