خاتم الزواج
بقلم الأديبة فاديا الصالح
تتلمس يداها الرقيقة خاتم الزواج .. و تسحبه برفق من إصبعها المورق به على مدار عقود مضت .. ازدهت فيه روحها و عانقت اخضرار نيسان ..أيام ثقال مرت كجبال لكن يقينها أنها ستمر و مرت بسلامة ..هكذا يهرول قطار العمر مسرعا في أزقة الساعات و الدقائق .. محطات فيها من لهيب تموز و أخرى فيها من عواصف كانون و أخرى من نبض نيسان شهر النور و الضياء .. تعاقب للنهار و الليل ..للعتمة و الفرح ..
تتوجه اليوم إلى الصائغ لتسحب برفق خاتم الزواج من إصبعها الذي شهد كل مامرت به من غضب و حب و ثورة وسكون .....طوال دربها المقفر ..الغني بالزفرات و الدموع وهي تنظر إليه في إصبعها .. و كأنها تودعه.. وتودع عمرا مضى .. و تودع صاحبه الغائب بين طيات الثرى .. رفيق دربها الطويل الحافل .. وهي تقول في ذاتها صبرا ..صبرا ..
و تكمل : أ لم تعلم يا رفيقي أن ابنتنا (روز) قد أصبحت جامعية .. و دخلت كلية الهندسة المدنية .. وهي بحاجة إلى ثمن هذا الخاتم الآن . . لا أعرف كيف أواري قامتي عن خيالك الغائب بعيدا ؟
و لا أعرف كيف أتصرف بعد أن فقدت كل الحيل ؟
أعرف أنه آخر رابط ملموس مقدس جمعنا سوية .. و لا أخفيك أنه آخر ما تبقى لي منك ..لكن الحقيقة مؤلمة ....
تسحب تنهيدة طويلة .. تتبعها زفرات حارة تبتلعها روحها ..
لتقف أمام الصائغ .. أحست أنها تخون زوجها .. و تخون عهوده و مواثيقه ..تواجه جيوشا من الأحزان .. تأكل معصمها و بنانها ..
تبيع عمرا كان حافلا بالمسرات و التضحيات و الأزمات .. احتوى كثيرا من الحلاوة و الكثير الكثير من المرارة ...
كيف ستواجه ذاتها في ساعة ما ؟
كيف ستقف أمام مرآة الذكريات ؟
و كيف ستتلمس يداها إصبعها إن أمسى خاليا ؟
ذاك الخاتم الذي لم يغادرها البتة ..
و كيف ستلتقي بنفسها دون عذاب أو شعور بالمرارة ؟
فاديا الصالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق