الخميس، 29 ديسمبر 2022

غيبوبة للشاعر الحسين صبري

 غيبوبة

بقلم الشاعر الحسين صبري 

لطالما أعتقدت بأن الغيبوبة هي حالة فقدان وعي عميقة وأن الشخص الواقع تحت تأثيرها هو شخص على قيد الحياة لكنه غير واعٍ ولا يستطيع الإستيقاظ مهما حاول الآخرون إيقاظه وتظل عيناه مُغمضتان لا يسمع شيئًا، إلى أن زارني صديق عزيز على القلب والعين وله مني كل المحبة وأنقى الوداد، له مني كل الإحترام والتقدير

عادةً تدور أحاديثنا عن الوطن وكم هي رائعة وممتعة أحاديثه رغم الشَّجن، لكن في ذلك اليوم لم نتحدث عن الوطن وأوجاعه وأنما كان الحديث عن أوجاع أخرى تشبه أوجاع الوطن.....

أخبرني بأنه ونتيجة حادث سير أليم دخل في غيبوبة دامت يومين اثنين، كنتُ لا أعلم عن تلك الحادثة شيئًا أو لا علم لي بذلك،  فقلتُ له سأحضر فَناجِين من القهوة فلعلَ الحديث يطول وطالَ الحديث فعلاً 

هل تصدقون لم يشعر صديقي بتلك الغيبوبة وكأنه خلال اليومين الذي بقى فيهما دون وعي يُمارس حياته كالمعتاد، يذهب إلى العمل ويلتقى مع الأصدقاء ويتفسح في شوارع مدينته رغم خلوها من الإثارة والتشويق ككل شوارع بلادي فنحن لانملك شيئًا......

صديقي يُحب الخيل مذ أن كان طفلاً فهو( فارس ) بما تحمله الكلمة من معنى ولديه (عم) يُحبه كثيراً فلم أرى في حياتي أحداً يُحب (عمه) بتلك الطريقة وذاك الحب الذي يفيض من قلبه

يقول وأنا في تلك الغيبوبة بل هي كانت حياة عادية الغريب فيها أني أسمع صوت عمي يأتيني الصوت منخفض وكأنه بعيد، وكأنه همس شديد، يومين وأنا أسمع صوت عمي يقول هيا استيقظ، هيا إنهض حتى استيقظت لأجد عمي بجواري وأجهزة كثيرة حولي تصدر أصواتًا وأنانبيب في فمي وإكتشفت بأنه قد كسرت عظام وجهي كسُور في الفكّ ومُنتصف الوجه،

كان الحديث طويلاً فالبرغم من المه وأوجاعه إلا أنه شيق ولا يمل......

صديقي الفارس ذو شخصية قوية وإن رأيته فوق حصانه وبلباسه التقليدي سترفع له القبعة وكيف لا فهو فارس أَبًا عن جَدٍّ، ذو كرم غير محدود، شجاع وصاحب حلم ومروءة وفِيّ العهد والوعد ويكره الخيانة و الغدر.....

هنا ومع بعض من التأمل تتغير المعتقدات كثيراً ويتضح لك ما كنت تعتقده صحيحاً، ومصداقية ما قاله صديقي الفارس ألسنا نعيش في غيبوبة، أتت الثورة، حرب ودمار رصاص وقنابل وحقائب متفجرة وحدث مالا يخطر على البال، في هذا الحي عُرْس وزغاريد وعند الجار موت ونوائبُ، في هذا البيت عيد ميلاد، إحتفال وشِواء والجار جائع لا يملك كسرة خبز وجغمة ماء، في هذا البيت دماء إلى الرُكْب وفي الاخر ألعاب نارية ونجاح في الشهادة الثانوية، بالأمس القريب عائلة تقتل بالرصاص دون رقيب أو حسيب، هل نحن في غيبوبة، نعم أنها الغيبوبة 

ركزوا معي قليلاً وتأملوا جيداً

دائمًا تأتينا أصوات مثل صوت (عم) صديقي هيا استيقظوا هيا استيقظوا ولكن لا حياة لمن تنادي 

صديقي الفارس بقى ليومين طويلين يسمع صوتًا خفيا حتى عاد إلى الحياة فمتى نخرج نحن من هذه الغيبوبة فالأصوات ما زالت تنادي، تُسمع وبوضوح وأكثر قوة، اننا في غيبوبة يا سادة، هيا استيقظوا وايقظوا احبتكم.......

#الحسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق