الجمعة، 24 فبراير 2023

المقامة القرآنية للكاتب محمد مهداوي

 المقامة القرائية

بقلم الكاتب محمد مهداوي

لِمَ  أصبح الكتاب رمزا للعذاب؟! وصوته أنكر من نباح الكلاب، لِمَ لَمْ يعد الكتاب أنيسا لبني البشر، ورفيقا للناس في الحل والسفر، أَكُلُّ من كان عابدا للحرف كفر ؟؟!!…ماأقسى القدر؟؟!! ففي عز الشتاء، افتقدنا زخات المطر ؟!! غرقنا حتى قفانا في  ليالي السمر، وتُهْنا تيهانا بين الحفر، ولم نعد نفرق بين تهامة ومضر…


    يا أمة إقرأ، ما لي أراكم لا تقرؤون، وإذا قرأتم ولا تفهمون وإذا فهمتم لا تستوعبون، كل دروسكم عبارة عن مكنسة، رايات علومكم دوما منكسة، تُهْتُمْ بين الأوراق ،و غابت عنكم الأذواق، وادلهمت في وجوهكم

 الآفاق، وصرتم للتفاهة مجرد  أبواق، عبدتم الپيتزا والطاكوس، واتبعتم ملة الشرك و المجوس ، ما لي أراكم لا تستوعبون الدروس؟!  ألم تعد لكم رؤوس؟! …


    الكتاب في عصرنا أصبح تحفة للزينة، في القرية والمدينة، والقليل من الرجال من ركب السفينة، ونال رضا السكينة، ما أحوجنا إلى قراء، مثل السهروردي وأبي البراء، وأم ياسر والخنساء، والبحتري وأبي العلاء ،والجاحظ وأبي الدرداء…إنهم نعم الدواء... في عالم كله رياء. السيارات أصبحت أغلى من الغلاء، والعلم بضاعة خسيسة، لا تصلح للبيع والشراء، أهناك فيروسا أشد فتكا من هذا الوباء؟!! أجيبوني يا خير الرجال وعز النساء؟؟!! أمة إقرأ لم تعد تتقن السباحة في القواميس، ولم تعد تحترس من الدبابيس ، ولم يعد الكتاب لها خير أنيس:


قال  أبو الطيب المتنبي:


أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ

                                وَخَيْرُ جَلِيسٍ في الزَّمانِ كِتابُ


مات المتنبي وتجاهلنا  الوصية ، جعلنا من الكتاب بلية، نهديه في المناسبات، لأعز الأولاد والبنات، حفرنا له قبرا فوق الرفوف، وضربنا على رأسه بالدفوف…


هناك من قدس التليفون ، وهام به حد الجنون، صَدَّرَ له  الغباء ونزع منه الذكاء، استسلم لألاعيبه وقدم له الطاعة و الولاء، أي عفة هذه، أي إباء؟؟؟!!!...وا أسفاه على أمة جعلت من العلم مجرد غطاء !!!...كرمت السفهاء وذلت العلماء، رفعت من قيمة مزامير الشيطان، وبخست من حملة العلم والبيان، كرم المغني وأصبح للأطفال قدوة، وهمش العالم باعتباره بلوة، رقص البطون تحول إلى دواء وطلب العلم أصيب بِشَرِّ الداء، والعفيفات من الكتب أصبحت مجرد إماء…


  مررت يوما بجانب مكتبة البلدية، فرأيتها تنتحب من فرط البلية، قالت لي وأنا ألج محرابها:


-ما أقسى أن أكون مجرد زينة، بين هذه القلاع الحصينة، اِغْبَرَّ وجهي من شدة الإهمال، ولم أعد للناس القدوة والمثال، الفاعل تحول إلى ذبال والمعلوم أصبح رمزا للقيد والعِقال، ...تاه سيبوية بين الجبال  ، جن المتنبي وخسر النزال…ضاع العلم وجاع العيال ...


بقلم محمد مهداوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق