الأربعاء، 1 مارس 2023

نازحون مع فجر الزلزال للأديبة أمل هاني الياسري

 نازحون مع فجر الزلزال!!

استقبلتْهم بعدَ أنْ عاشوا حياةَ حربٍ مؤلمةً، وترحالاً أكثرُ ألماً، ونزوحاً هو الأشدُّ مرارةً، لكنَّهم صامدونَ أمامَ الحمقى والسذجِ العاجزينَ، الذينَ لا يؤمنونَ بأنَّ لا حاجزَ يقفُ بينَهم وبينَ واقعِهم، حتى وإنْ كانَتِ الشمسُ رفيقةَ أيامِهم الطويلةِ.

قالَ أحدُهم: الأمواتُ يقتلونَ الوقتَ فوقَ مقابرِ التأريخِ.

بادرَهُ آخرٌ: أنا أصنعُ من خيمتي، ورمالِ هذهِ الصحراءِ، ملحمةَ النزوحِ بحثاً عن عشبةِ الخلودِ.

وقالَ شابٌ مقعدٌ: صحيحٌ أنَّنا نازحونَ، لكنَّ آثارَنا لن تبرحَ مكانَها ولن تنزحَ مسيرتَها.

أجابَهم أحدُ علماءِ الآثارِ المبهورِ بحضارتِنا: كيفَ تنمو الحياةُ مرةً أخرى عندَكم، وأنتم وسط الشمسِ، والزلازل، والنزوحِ؟

أجابهُ أحدُ الشيوخِ: قد يكونُ أحدٌ ما قد قالَ: (كتبَ قصتهُ على الرمالِ؛ فثارَتْ أمواجُ البحرِ)، أما أنا فسأصنعُ من الأمواجِ بساطاً، نعلو بهِ فوقَ عنقِ السماءِ، ونخيطُ من الأملِ والحنينِ خيمةً، نرتقُ بها وجعَ مدنِنا الصابرةِ التي جالدَتِ الزلزالَ.

قفزَتْ طفلةٌ وسطَهم وقالَتْ: خيمتي نامَتْ على وجهِ الأرضِ، وأحلامي تركتُها على قارعةِ طريقِ النزوحِ، لأهربَ من بقايا الأنقاضِ والزوايا المتهدمةِ، ولكنْ على أيةِ حالٍ ما زالَتْ لي خيمةٌ اسمهُا سوريا .

بادرتْها أخرى: لا أريدُ وجهاً ولا وجاهةً، فموتى مدينتي يبتسمونَ كلَّ يومٍ، ولا يهمُني على أيِّ رصيفٍ تنامُ أمنياتي، المهم ألا يعزفَ الساسةُ أيقونةَ الإنحناءِ.

قالَتْ عالمةُ آثارٍ كانَتْ حاضرةً في المكانِ: أيُّ أطفالٍ أنتم، الموتُ الذي استباحَ أرواحَكم سيموتُ بلا شكٍ، لأنَّهُ واقعٌ لا يليقُ بكم، اخلقوا بداياتٍ جديدةٍ فليسَ هناكَ مستقبلٌ لوطنٍ ممزقٍ، قضيتُكم ستدورُ بينَ سجلاتِ الزمنِ وأوراقِ التأريخِ،

في هذهِ الأثناءِ حضرَ أحدُ الفاسدينَ للمخيمِ؛ ليوزعَ بطانياتٍ جوفاءَ؛ فبدأتْ ثورةٌ من العلبِ الفارغةِ؛ والأحذيةِ تشنُّ هجمتَها عليهِ.

بقلمي: امل هاني الياسري/ العراق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق