(( نَعَمْ إيهِ ، لا إيهاً ))
وبَيْتٍ لِسانِي ذائِبٌ مِلْحُهُ فِيهِ
ولَمّا شَدا ذا البَيْتَ، قِيلَ لَهُ : هِيهِ
لِسَانِي لِأذْنِي قالَهُ، فَهَمَتْ دُمُو
عُ عَيْني؛ فَعَنْ وِجْدانِيَ الجَلْدِ يَرْوِيهِ
لِلَسْنِي يَقُولُ القَلْبُ لَمَّا بَكَتْ لِما
الّذي سَمِعَتْهُ الأُذْنُ جارَتُها : إيهِ
نَعَمْ إيهِ ، لا إيهاً يَقولُ لَهُ ولَوْ
بَكَتْ! فَلَعَمْرُ اللهِ ذا الشِّعْرُ يُسْلِيهِ!
وذا الدَّمْعُ يَرْوِيهِ، ويَشْفِيهِ، فَلْتَفِضْ
إذَنْ يا لِسانِي بِالّذي القَلْبُ يُفْضِيهِ
(البحر الطويل)
- هِيهِ أو إيهِ : اِسْمُ فِعْلٍ لِلأمْرِ بِمَعْنَى زِدْ، اِمْضِ فِي الحَدِيثِ، وَفَاعِلُهُ يَكُونُ ضَمِيراً مُسْتَتِراً فِيهِ وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنْتَ، أي بِمعنى زدْني من حديثِك وشِعرِك ؛ و"إيهِ" قد تكون للإسْكاتِ والكفّ، بمعنى حَسْبُك إذا نوّنت منصوبةً، فتقول: إِيهًا: لا تُحَدِّثْ.
- اللَّسْنُ : اللِّسانُ.
التفسير:
ورُبَّ بَيْتٍ مِنَ الشِّعرِ -أبدأُ به القصيدَ- يكون فيه ذائبٌ مِلْحُ لِساني كأنّه ماءٌ -يجعلُ اللّسانَ يفيض فيضاً- ولمّا غنّاه لِساني وترنّم به، قِيلَ له: زدْنا مِنْ مِثلِهِ أكثرَ، فما أجملَه!
لقد قال هذا البيتَ لساني لِأُذُني سَمعتهُ، فسالَ دَمْعُ عَيني تأثّراً؛ لأنّه قد رواهُ عن وِجدانيَ الجَلْدُ الّذي يتحمّلُ كلَّ الهمومِ والأحزانِ ويصبرُ . فلمَّا بَكتْ عيني لِما سمعتُهُ الأُذُنُ، جارتُها ، عن الوِجدانِ وهمِّهِ، قال القلبُ : يا أيّها اللّسانُ: زدْنا، نَعمْ زِدْنا، وليس يَقولُ له : حَسْبُكَ، لا تُحدّثنا بعدُ ؛ فلَعَمْرُ اللهِ إنّ هذا الشعرَ يُريحُ القلبَ ويُخفّفُ عنه ويَكشفُ عنه همَّه وحُزْنَهُ، وإنّ هذا الدّمعَ المُنصبَّ من العينِ لَيَرويهِ، بلْ ويَشْفيهِ؛ إذنْ فَلْتَفِضْ يا لساني بما يُفضيهِ لكَ هذا القَلبُ المَهمومُ.
مصطفى يوسف إسماعيل الفرماوي القادري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق