"" سقوط""
قصة قصيرة .. من مجموعة جراح ... 12
******** لايملك سوى قميصه المهترئ ، وحذاءه الذي أتعبته الخطوات الهائمة ، وبعض أوراق أرهقتها حروف تحمل كل هموم العالم ...ووحدة تؤنس لياليه الباردة. كل ليلة يرتمي في أحضان الليل مستسلما محاولا لملمة نفسه المشتتة بين ماض حزين وحاضر مأزوم وغد مجهول قد لايختلف .
يتكئ على جدارعجوز ، يصغي إلى أنين عظامه ، وهي ترتعش من برودة الإسفلت .يحصي خسائره ، ويستعرض أخطاءه ،وخيباته .وقد أتعبه عمق المسافات ، وأزيزالذكريات ، وجحيم الربيع الذي يطل من كل نوافذ النفس ..بلاده البعيد لم تعد تشبه أي بلد ،فقد أصاب وجهها الجذري، وتواطأت عليها فلول الظلام وكائنات الليل ،فمسحت ابتسامتها وطردت من سمائها ألق القمر ، وتوهج الشمس ، وضحكات الربيع . وألغت بمراسيم الموت شغب الطفولة الجميل، وقهوة الصباح ، ونشوة اللقاء ، ودفء المحبة ... في اتكائه على الجراح يراها من بعيد ، يشتم رائحتها التي تحملها الرياح مختلطة بنكهة البارود ..فيخيل إليه أنه يسير في دياجير شوارعها حذرا من قناص متربص ، أو مشفقا من صرخات طفل في بيادر العطش وقد أعوزه حضن الأم وقطرة الماء...
يتأوه فيضج الدم المتختر في عروقه ، كيف هوى رأسه الشامخ ، إذ هوت داره الجميلة على رؤوس أحبائه؟، وكيف قذفه الانفجار إلى ما وراء الحدود. وهو المتشبث بالأرض، وبحرفه الذي يرصع دواوينه ويسجل أروع قصة حب بين عاشق وأرض سقوها بدل الماء دماء... انحدرت من عينيه دمعتان كاويتان .ثم اختل نبضه وأحس بدوار ، كالإعصار يحمله كقشة في مهب الريح ثم يلقي به في ساحة مدينته الملتهبة ، ليتلقفه برميل متفجر..
المصطفى كووار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق