الأربعاء، 31 مايو 2023

أنين القلم / مقال للشاعرة نادية التومي

 انين القلم


الكلمة مثل السيف تقطع وصال الانسان والشرايين، نهرب لنعبر عن ما يخلج صدورنا من كلمات تجد تعابير لا تجلج الصدور بل هي تذبح كانك شاة بوم العيد، لعل الشاة يضحى بها كقربان لله، اما انت ايها الانسان تشعر في لحظة ضعف انك لا قيمة لك، تنظر الى المرآة لتكشف حقيقة كانت متخفية وراء الكثبان، تصدمك تلك المرآة برأيت شيء لم تعهده من قبل، حقيقة لم تسمحها من قبل بل قل انك رأيت سراب، تتراجع الى الوراء العديد من الخطوات لتطلع من اعلى صفحة للجبل ما يدور في الاسفل الذي كنت تنظر الا الى رجليك وليس لك بعد ولا تنظر الى الافق.


نظارات تائهة لا تعرف الصمود في زاوية معينة، لان الفكر مشوش، والبال لم يهدى هو مثل امواج البحر هائج ومائج، فيه مد وجزر، يشكو باعلى صوته لعل البحر يسمع ويصغي لانين القلب الحائر.


تريد ان تجد لك مخرج، مئات الاسئلة تتجول في مخيلتك تبحث ثم تبحث عن الاجوبة، منها ماهية الحياة والوجود للانسان، هل نحن على فطرة ابينا اما اننا مسيرين او انه القدر المحتوم الذي لا نعرف في اي بر سيرمينا كلها تسؤلات تتعب الفكر والبال، ترمي احمالك لله الذي لا ينام وتخلد لنوم بعد ان تتقلب على اليمين واليسار في فراشك تنتظر بزوغ شمس يوم جديد.


تاخذ القلم وتبحث عن ماذا ستكتب، تجد في فكرك الالاف الافكار ولكن لا تعرف كيف ستتبلور على الورق هل الحرف انت التى تكتبه هو الذي يكتب؟ خواطرك تبقى تتبعثر حتى ترسوا على فكرة وعند كتابتها لا تعرف ماذا سيكون اخر كلمة بها تختم، وبعد كل هذا تجد ان القلم اهان ممن فكروا ان كل الاقلام نزلت من بطونها تعلم ونسوا قوله‏ تعالى:‏ ‏{‏‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}‏‏‏ ‏العلق‏:‏ 3 - 5‏


قيل لنا ان القلم هو المتنفس وبه نتعلم ونفقه {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} وما تعلمناه الا القليل وما كتبناه ودوناه لا ياتي حرف واحد من بحر العلوم، فكيف لعقول تتباهى وتفتخر انها شربت بحر من العلم {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} واننا قلمنا بال لا يصلح بل هو ضعيف ولا يستحق ان يمجد.


ماذا نكتب سأل القلم وهو محتار عن ماذا يحكي او يكتب، هل يترك حبره يسيل ويجف ويرحل ويختار ركن ينزوي ويصمت او يركز ويعيد ادراج خطواته ويبدا يكتب من حرف الالف للياء ويعلن ثورته على من يدعي انه فلتة زمانه وان كل الاقلام تخربش على الجدران انها لن تموت لان القلم  كما صدق القائل ( كفى بالعلم شرَفًا أن يدَّعيه مَن ليس منه، وكفى بالجهل عارًا أن يتبرَّأ منه مَن هو فيه).


"العلم علم الخرق، وليس علم الورق!"؛ كما يقول الصوفيُّون


نحن نكتب لنتنفس على ارواحنا فالروح تحتاج للتجديد في كل لحظات التى تمر منها، تخرج من داخلها تلك الطاقة السلبية لتعوضعها بطاقة ايجابية تكون فيه الروح بعد ذلك نقية صافية الذهن كما ولدت اول مرة وتنفست، تعيش في عالم روحاني بعيد عن تلك العقول المريضة التى لا تمت بالحياة بصلة هي فقط موجودة لتفسد وتلوث المعنى الحقيقي للحياة.


لعل القلم يصيبه جنون غير معتاد ويموج ولكن عندما يهدأ يفكر بالمنطق ويتطرق للحكمة ويكتب ما يجول بفكره ويعلن انه لن يترك مكانه لغيره لانه يعلم ليس فخرا او غرور بل بلعكس هو قلم بسيط يحترم كل رأي مخالف ولكنه يمكن ان يكون حكيم ويدرس معنى الحقيقي للحياة لمن يتبجحون انهم عقول نيرة كل كلامهم تنميق واكاديمي يبقى يقرأ ويوضع في الرف للغبار وينسى مع مرور الوقت، لان الحياة لم تعلم صاحب الفكر ان العلم لا يحفظ في الكتب فقط ولكنه يعلم ويكتب ويقرأ ونضيف معه تجاربنا في الحياة لان العملي والتطبيق مختلف على ما ندرسه في الكتب.


سلام لقلم جرح وانينه سمع وخير الصمت والاعتزال ثم تراجع واعلان ثورته على من تعنت وظلمه وقرر مواصلة المشوار بدون توقف لان القطار سريع ولا يقف في كل المحطات ومن لا يعرف ركوب الصعاب والتعلم من الاخطاء يموت في المرة الف مرة.


بقلم نادية التومي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق