الاثنين، 26 يونيو 2023

ق.ق سنابل النمل للشاعر صلاح لافي

 سنابل النمل.


طاهر ،شهر الحكيم ،في عقده الثالث.عشق الأرض،منذ نعومة أظافره.كان خير مساعد لوالده الذي فارق الحياة..التهمته البئر المجاورة ،وهو يجاهد لاستخراج الماء بدلوه القديم.الحبل لقدمه اهترأ.

أسمر البشرة،بشعر مجعٌد،ملامح الشاب أخذت نصيبا كبيرا من الوالد.عينان غائرتان،ولكن ثاقبة.حاد البصر.الكهف الذي يؤويه،أعلى الجبل،بمثابة منارة .حين بلوغه العشرين،فتن الفتى بابنة الجيران.إلهام، على عكسه ،لم تكمل  الفتاة تعليمها الثانوي..يتيمة الأم،اضطرت إلهام ، لتقديم العون لأسرتها..شعر طويل وقوام ممشوق ورفعة أخلاق.تصغرفتاها بثلاث سنوات.توطدت علاقتها بالطالب الجامعي..طاهر متعلق بها.

 يوم تخرج المهندس الزراعي،حلت مصيبة بالمكان.إلهام تبتلعها العين.ظنت أنها تساعد الطاهر في تحسين منسوب المياه.أزاحت الحجر الجانبي ،ولم تكن حذرة.عويل عمٌ المكان.الشاب عاد لتوه ،صعق للخبر.كان يتمنٌى تقاسم فرحة التخرٌج مع من يهوى.بعد أن ووري الجثمان الثرى،صارت أيام المهندس بلا طعم..بلا أكل ،بلا شرب.كبير القوم أثناه عن صنيعه.

ربيع مرٌ بلا زهر،بلا لبن ،ومثله الصيف ،بلا سمن بلا قمح ،بلا تبن.

عاد الشاب لحياته الطبيعية،مفعما بالأمل بدا.

غارت مياه العين من جديد. بسبب طيش بعض الفتية..

طاهر كابد ليلا ونهارا، لإعادة مياهها.

توزع الماء رقراقا عبر الجداول ليعم الحقول.

كميات من فصيلة نادرة من الحبوب ،أخذها المهندس الباحث، في شكل سلفة ،من مملكة النمل،التي تجاوره.هاهو يبذرها ليلا برفقة النمل الذي يضع الحبوب بشكل رائع فتليه أسراب الطيور ،وبمناقيرها تدسٌ الحبٌ جيدا في التراب.السقي تتولاه أنواع من الطيور بريشها الكثيف وبقدرتها على الحفاظ على كميات من المياه بالحصٌالة.تغطس الأسراب في العين،وتأخذ كفايتها من الماء وبحركات بهلوانية تقوم برش المزروعات.حل الصيف،فتجند النمل والطير للموسم.أسراب الطير بمناقيرها الحادة ،تقطع السنابل،فيما جحافل النمل تفصل الحبوب عنها.

تبن لأعشاش الطيور المهاجرة.ولكل نصيبه من الصابة.ما تبقى من قسمة النمل والطير،يحتفظ به ،الطاهرجيدا بمطمور مجاور للكهف.

-يا طاهر،يا طاهر ،للموسم الثالث ،لا نأخذ منابنا؟ 

-يا ابني،صاح كبيرهم،الموسم القادم،لابد من نصيبنا.

أومأ الشاب برأسه ..

-ازرعوا اليوم،لتأكلوا غدا.ثم تمتم .

وصيتي ،نصيحتي لكم ،أمنكم ،في الماء والغذاء ..ثم يتجه نحو العين..أنواع من النمل بأجنحة تحل بالمكان برفقة الطيور.

تتشكل سحب مثقلة فجأة...شعاع يفاجئ الجميع يخرج من المياه..عروس بلباس ناصع البياض،كأنها،إلهام..تقترب من الشاب،تأخذه من يده وسط بهتة منه..تحلق  بعيدا في الفضاء ،يتبعها النمل وأسراب الطيور..

الغيوم،تتحول إلى سيول.

صلاح لافي / تونس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق