... نضال حتى الموت ...
ولد أحمد في أسرة متوسطة الحال، لديها من الأولاد سبعة، كان أحمد أوسطهم.
وعاش حياة مستقرة في كنف أمه التي ما بخلت عليهم يوما بالحنان والعطف والتربية السليمة، وأب كان يعمل ويكد ويشقى ليؤمن لأسرته لقمة الخبز بالحلال ويرعاهم بالحب، ويزرع في نفوسهم الفضيلة وحب الخير..
وترعرع أحمد وكبر في هذه الاسرة الفاضلة التي كانت تحرص على تعليم جميع أبنائها في الجامعات لتصنع لهم مستقبلا يفتخرون به.
وبالفعل كبر أحمد وتخرج من الجامعة تخصص ادارة أعمال بتقدير جيد جدا، وبدأ يرسم خارطة طريق لحياته، ويلون طموحاته بأجمل الألوان، ويحلم بالمستقبل المشرق... فها قد تخرج بعد أن شقي والده لتأمين أقساط الجامعة له ولأخوته حتى أتموا تعليمهم.
بدأ يحلم بالوظيفة والزوجة والاولاد كأي شاب..
وحمل أحمد شهادته ومعها شهادات التقدير التي حصل عليها، وبدأ بالبحث عن وظيفة تناسب اختصاصه، لكنه صدم كغيره بعدم وجود فرص للعمل بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة في بلده.
فتش كثيرا، لم يترك مؤسسة الا وطرق بابها، لكن دون جدوى.
شعر بخيبة أمل كبيرة بعد تعب أربع سنوات، لكنه قرر أن يتحدى الظروف ويناضل من أجل تحقيق حلمه، وهو أن يتوظف باختصاصه ويبدي مهاراته ويطور من نفسه حتى يصبح مديرا، وكان حلمه الأكبر أن يفتتح مؤسسة يترأسها هو كمدير، وتكون مثالا يحتذى به.
وقرر أحمد أن يعمل بأي شيء ريثما يجد ما يريده، حتى يتمكن من اعالة نفسه وبناء أسرة كما يحلم، فكم كان صعبا عليه بعدما تخرج واصبح رجلا ان يأخذ مصروفه من والده الذي رسم الزمن على ملامحه تجاعيد العز والشموخ.
وجد أحمد عملا في أحد المطاعم، وبدأ يعمل في توصيل الى المنازل، ويأخذ لقاء ذلك أجرا ضئيلا.
وبعد عدة شهور، أقفل المطعم بسبب الاوضاع الصعبة وخسر كل من في المطعم عملهم.
وعاد أحمد مجددا يبحث عن عمل، وبات يتنقل من مهنة الى أخرى كي يستطيع أن يتزوج ويبني أسرة.
وفي أحد الأيام طلب منه صديقه الذي يعمل بالتمديدات الكهربائية مرافقته في عمله ومساعدته، فلبى أحمد طلب صديقه ونال أجرا لا بأس به.
وهنا قرر أحمد أن يقوم بدراسة هذه المهنة في معهد متخصص بذلك، وبالفعل بعد ستة أشهر أنهى الدراسة وبدأ يعمل بالتمديدات الكهربائية وكان يحصل على مدخول مقبول.
واستطاع بفضل الله ان يتزوج ورزق بثلاثة أبناء، كان يحبهم ويناضل لأجل تأمين حياة هانئة لهم.
وطوال هذه السنوات، كان معروفا بإتقانه لعمله وأمانته، لكنه لم ينس يوما حلمه الأساسي بأن يصبح مديرا لمؤسسة.
وكان يجد ويجتهد، وكم من المرات التي واصل بها الليل بالنهار ليؤمن لأسرته حياة كريمة.
وفي أحد الأيام، خرج لعمله كالمعتاد وذهب لتصليح تمديدات كهربائية في احدى الشركات، وأثناء عمله تعرض لصاعق كهربائي أودى بحياته على الفور.
وترك خلفه زوجة مفجوعة وأما مكلومة وثلاثة أطفال أصبحوا أيتام بعدما خرج والدهم يناضل ويكافح من أجل لقمة العيش فعاد محمولا على الأكتاف.
مات أحمد ابن الثلاثين عاما قبل أن يحقق حلمه الذي ناضل لأجله لسنوات طوال.
مات أحمد وترك على مدخل قريته، لافتة كبيرة عبارة عن صورة له كتب عليها:
((شهيد لقمة الخبز)).
بقلم : بيسان مرعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق