الجمعة، 28 يوليو 2023

من وحي يوميات حيرة واعية

 لم أعد أبالي بهذا الهراء العالق في بعض العقول حيالنا، وإحباط خطواتنا تجاه كل صغيرة وكبيرة نقوم بعرضها .. بمعنى أنه لم يعد لديّ المُتسع للنفَس الطويل الذي من شأنه أن يقصر تلك المسافات بيننا لتكرار عرض ما يضمنه محتوانا، أو شرح صورة هي في الأصل واضحة وضوح الشمس لا تحتاج لإسهاب مزعم في توضيح كنيتها.. لذا لا أنتظر أن يعاد تأهيلي لإرضاء فصيل معين بقدر ما يشحذ ويلهب ويزكي عزيمتي النقاش الواعي والاختلاف في الرأي الذي يثمر من ورائه وجهات نظر تُحترم ويؤخذ بها..

هذا عن نفسي.. أما عن موضوعي فنضع نقطة ونبدأ باسم الله من أول السطر،


يقول العقاد: "ومن الإخلاص أن يعلن الكاتب أنه لا يفهم موضع الجمال في ذلك الفن الذي يحسبونه الفنون الجميلة، ولكن الكاتب يسرع إلى اتهام نفسه لغير سبب مقنع، لأن إجماع المئات أو الألوف من الناس على استحسان شيء لا يفهمونه ليس بالأمر المستحيل، بل هذا هو الأمر الواقع في كل زمن وفي كل دعوى  في كل "تظاهر بغير الحقيقة" حيثما تناولت الدعوى مسائل المعرفة والذوق على الخصوص، فما بالك بالدعوى التي لا تتكشف 

ولا يمكن أن تتكشف بحال من الأحوال". 


أحب أن ألفت أنظاركم أيها السادة، أن هذا الراي الذي أشاد به العقاد كان موافقًا لرأي أحد أصدقائه الذي زار معرض "بيكاسو" في لندن وكان ينتقد نفسه قبل أن ينتقد فنه الذي له آلاف المعجبين، ويتهم نفسه بالحمق والغباء قائلاً: فكيف أن كل هؤلاء المعجبين، والنقاد يتجشمون كل هذا التعب..وأنا وحدي العاقل هنا؟!!

"بابلو بيكاسو" هذا كان من أعظم فناني القرن العشرين، إضافة إلى أنه رسام وفنان ونحات، ذاع صيته ذيوعًا منقطع النظير، وطبقت شهرته الآفاق، وخطت ريشته أكثر من ألفي عمل توجد حاليًا في كبرى المتاحف، وتفجرت قريحته شعرًا وأدبًا.

الفكرة هنا لا تتوقف على الاتفاق أو الاختلاف في الرأي، أو مكانة الفنان العالمية أو حصيلة أعماله بقدر ما أخذتني الفكرة وانتقلتُ 

معها وبها إلى أبعد المدى بتلك الكلمات التي استهل بها العقاد ألا وهي: "ومن الإخلاص أن يعلن الكاتب أنه لا يفهم موضع الجمال في ذلك الفن ....." في البداية مرت العبارة أمامي مرور الكرام، وبعدما انتهيت من قراءة المقال أخذت أبحث عن مضمونه.. فما وجدت غير تلك الكلمات هي الإطار الذي لف حوله بعض المواضيع لفة محكمة معلنًا عن رأيه الحقيقي ما بين السطور.

الأمر أشبه بما يحدث الآن على أرض الواقع في "مواقع السوشيال ميديا" وما يعانيه أي كاتب محتوى جيد، أو فنان مبدع، تجاه محتوى رديء له ملايين المعجبين، والذين يؤيدونه بالروح والقلب وهتافات مدوية ويكأننا في مظاهرة وعلى الجميع الخروج في التو واللحظة لإبداء رأيهم فيما أعلنه على صفحته..

لكن دعكم من كل هذا..أحيانًا يأخذني الفضول أو الشغف للإطلاع على نماذج كثيرة تشبه هذا المحتوى..وهنا تحدث الصدمة 

(اللامعقولية) حينها تلوم نفسك أشد اللوم أنك بذلت مجهود في تصفح شيء لا فائدة منه، بل وهدرت من وقتك ومالك في ما لا يتأتى من ورائه إلا كل ما يقلقك على مدى ما توصلنا إليه في الإنفتاح الواسع الذي حدث على مواقع "السوشيال ميديا " بشكل سلبي ..مما تفشي عنه متلازمة لا أرى لا أسمع لا اتكلم  بين  ذوي 

الأقلام من المفترض أن لا يستهان بهم .


فتخيل معي أن يعود العقاد للحياة ..مواكبًا تلك البسيطة الافتراضية الزرقاء "الفيسبوك" يتنقل بين المشاهد، والصفحات عبر هاتفه من صفحة لصفحة..ومن مشاهد ترندات لأخرى، ومهازل الفيديوهات غير الهادفة، وسفاهة العقول التي  من المفترض أن تكون هي العقل العائل والمسؤول عن تأهيل الأجيال القادمة لكل ما يتحصلون عليه من خلالهم سواء كانت أخبار أم تجارب أم عقائد أم ثقافات أو أداب و...و... وهلم جر مما سيشاهده العقاد كل ساعة بل في كل دقيقة ولحظة من سباقات واهية تقام على ساحات عقول طور جيل كامل نظير مشاهدات أكثر مبيعًا بأبخس ثمن..!!

فارق كبير بين أن اقارن رأي العقاد وصاحبه حول صورة من صور بيكاسو بأن أضعها وجهًا للمقارنة للصورة التي نحن عليها الآن.. لكني إكتفيت بأن أقول لنفسي من صور بيكاسو إلى الصور والمشاهدات التي يركبها "الترندات" حاليًا: "يا قلبي لا تحزن"!!


#من_وحي_يوميات_٣ 

#حيرة_واعية 

#عباس_محمود_العقاد 

#شيماء_عبد_المقصود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق