الأحد، 9 يوليو 2023

رواية ثلاث شمعات الحلقة الثالثة للكاتب عبده داود

 ثلاث شمعات

الحلقة الثالثة

عنوان الحلقة: دور العبادة

احتفالات عشية الميلاد في شوارع  مدريد، حدث أكبر من أن يوصف، رغم البرد القارس، الناس تموج في الشوارع، أجراس الكنائس تشارك الأفراح  وتنادي المصلين إلى المشاركة في الصلوات... 

والرائع تلك الألحان الخالدة، المسموعة  من كل  مكان... 

الناس ترقص في الشوارع، يتبادلون تهاني العيد، وتحيات المحبة...

وافق الأصدقاء على مقترح  روزا زيارة الكنائس،  وكانت الزيارة الأولى إلى كاتدرائية (القديس فرنسيس الكبير) وتعتبر هذه اكبر كنائس مدريد... 

اعتذر سمير عن دخول الكنيسة وقال بأنه  مسلم... 

قالت روزا: تعال يا رجل، جميعها بيوت الله جوامع، وكنائس وجميع دور العبادة هي دور عبادة للخالق... ربما طقوسنا مختلفة، لكن الجميع مؤمنون بوجود خالق واحد لهذا الكون...جميعنا نعبده لأنه خالقنا وهو أب لنا... 

تعال أدخل، وصل كما تريد، الصلاة في القلب مقبولة،  يسمعها الله ويبارك من يدعوه، الصلاة تجوز في كل مكان...وفي كل زمان 

ساد صمت، ولم يجاوب سمير ببنت شفة...قال فارس كاسراً الإحراج: لا بأس،  سنبحث لك عن جامع تصلي فيه ولا يهمك.

قالت ماريا في الجامعة يوجد جامع، وهناك طعام خاص للمسلمين، أقصد لحومات مذبوحة على الطريقة الإسلامية...لا توجد مشكلة. 

لا حاجة لأصف لكم أصدقائي تلك الكنيسة الضخمة الواسعة ذات الهياكل العديدة وأمام كل هيكل كاهن يصلي ومجموعة من الناس تصلي معه... بالفعل هناك مؤمنون حقيقيون، وهناك غير مؤمنين... لكنهم حاضرون بالجسد... بعيدين بالروح...

زيارة دور العبادة، لا تعني صلاة، الصلاة هي تواصل دائم بالروح مع الله، هي عشق حقيقي للقدرة الخالقة التي كونتنا،  لا نراها لكننها نحس بوجودها، هي حاضرة دائما وأبداً، حارسة لحياتنا، تسمع صمتنا، وتستجيب لطلباتنا المغلفة  بالمحبة التي تعيش بداخلنا.

  عندما خرجوا كان سمير يرتجف من شدة البرد، مسكت روزا يده كانت شبه متجمدة، فدمعت عيناها. 

قالت ماريا: دعونا نذهب إلى مكان دافئ... 

يكاد لا يخلو مكان في مدريد من شجرة عيد الميلاد المضاءة والمزينة.  ربما شجرة الميلاد ترمز إلى العطاء، كما أن المسيحية هي عطاء الذات والقلب للخالق، لذلك أظن الشجرة هي رمز لذلك المعنى...

وعادة يختارون شجرة دائمة الخضرة، لأن المسيحية دائمة العطاء، دائمة المحبة...

كان الجميع يعيشون الفرح والسعادة...كل بطريقته  يمرح، ويعيش حياته بحرية تامة... 

سأل فارس ماريا، ربما تأخرتما أنت ورزوا على منزليكما...أجابت ماريا، تعود أهلنا على هذا السلوك، لا تحملان هماً...نحن طالبات جامعيات ونعرف كيف نتصرف...وبكل الأحوال هم يعرفون بأننا معكم...

 وصل السحر، وتهيأت السماء لاستقبال الشمس، وكان الطلبة مع ماريا وروزا لا يزالون في الشوارع، روزا تتأبط ذراع سمير، ومارينا تتأبط ذراع فارس...

هدى كانت تسير خلفهم تكاد تجن، ووصلت الغيرة في قلبها إلى حد الانفجار...ولو أمكنها لخنقت ماريا، وخنقت فارس حتى الموت...لكنها كانت تتماسك، وتظهر قوة وعدم اكتراث...وكانت تعاتب ذاتها: من أكون أنا حتى أحاسب فارس على صداقاته؟ أنا لست حبيبته،  لست خطيبته، لست زوجته، فارس لم يوجه كلمة تشير إلى أن قلبه يميل إلي...أنا التي اخترته، وأنا من جعلته حبيباً لي، وأنا من رسمت وخططت حتى صدقت نفسي، أنا من كذبت على ذاتي ، ورسمت  طريقاً طويلاً يصل إلى عش الزوجية، يضمني ويضم فارس...أنا التي تخيلت كل هذا، فارس لم يكن موجوداً  في أحلامي التي رسمتها ولا أزال أرسمها  أنا...لم يعاينها، ولم يسمع بها...هي مجرد سراب أو دخان تطاير في الفضاء...

بزغت الشمس بألوانها الساحرة، قالت ماريا نحن الآن في ساحة اسمها ساحة الشمس (بلازا دل سول) وتحتها توجد شبكات مترو  تتوزع إلى جميع انحاء مدريد، تعالوا تعرفوا على شبكة المترو. والخطوط التي تعنينا هي التي توصلنا حيث نريد...

خرائط  خطوط سير القطارات مرسومة بوضوح، تريك أين أنت، وتريك أفضل الخطوط  لتصل بك إلى مقصدك...لا تتوه، فقط انتبه إلى  اختيار الرصيف المناسب وإلى أسماء المحطات التي تمر فيها...والخرائط تخبرك وترشدك... 

نزل الفرسان عند موقف الجامعة، منهكين  وغرقوا في النوم...

في المساء  نزل فارس إلى مطعم الجامعة ليتناول وجبة  طعام 

تفاجأ بوجود ماريا وروزا في المطعم، قالتا لا نريد أن نهاتفكم خشية أن تكونوا نائمين...

هاتف فارس زميليه بأن ماريا وروزا بانتظاركما...

سمير بلحظات تحمم ونزل راكضاً، بينما هدى غرقت في بحر من الدموع...وبعد وقت طويل حين تماسكت وجففت دموعها ورسمت على شفتيها ابتسامة باهتة وقابلت الأصدقاء وهي تقول ميلاد مجيد... 

كانت هدى تحبس انفعالاتها وتصرفاتها، لكن كان واضحاً بأنها تعيش فترة تعيسة في حياتها...

قالت لها ماريا، يبدو أنك  مشتاقة لأهلك في سورية؟ بعيداً عن الأهل لا يسعدنا العيد؟ 

سأل فارس هدى ماذا تحبين أن أحضر لك قهوة أو شيئاً آخر؟ أجابته بنبرة عالية مما جعل الجميع ينظرون إليها باستغراب... أحضر إلى ماريا، أما أنا سأخدم نفسي  بنفسي...

الكاتب: عبده داود 

إلى اللقاء في الحلقة 4 

الحلقات السابقة تجدونها في مجموعة (ثلاث شمعات)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق