ثلاث شمعات
عنوان الحلقة: أغنية
الحلقة 5
رغم أن هدى كانت مقتنعة بتفاهة طريق كسب قلب فارس، كانت تعاتب ذاتها على هذا التصرف المخجل، الذي تلجأ إليه، لأنها تؤمن بأن الإعجاب يجب أن يكون أساسه مواقف الإنسان الراقي، ونجاحاته في هذه الدنيا...
لكنها اقنعت ذاتها بأنه لا بد من أن تساير مجتمعها وتبدو جميلة من الداخل والخارج، في الشكل والمضمون الذي يطلبه المجتمع...
في اليوم المقرر. قامت بتسريح شعرها عند صالون فخم، وبخت ذاتها عطراً برائحة الياسمين، وكل ذلك من أجل أن تظهر بأنها أجمل وتستعيد فارس إلى صفها...
جاءت ماريا في سيارتها حتى تقل فارس وهدى، وعندما ظهرت هدى بالفعل كانت مثل عروسة جميلة تشبه تلك العروسة المشهورة عالميا المدعوة (باربي)... فارس نظر إلى هدى نظرة استغراب وإعجاب، في الحقيقية فارس لم ير جمال هدى يوماً كما رأه ذلك اليوم... ولكنه لاذ بالصمت ولم ينطق بحرف.
أرادت هدى أن تركب في المقعد الخلفي في سيارة ماريا، لكن
فارس فتح الباب الأمامي للسيارة وقال تفضلي المقعد الأمامي للأميرات...
رجف قلبها طربا، كانت تلك الكلمة، هي الأولى التي غازل بها فارس هدى، لمست معصمها وتمتمت بصمتها وقالت: شكرا لك اسواريتي لقد جعلتي حبيبي ينطق كلمة غزل اسعدت قلبي...
كانت ماريا هي عريفة حفلة التكريم المختارة...
عدد المكرمين المختارين كانوا العشرة الأوائل، لكن الحضور كان كبيرا شمل عددا من طلاب الجامعة وأهالي وأصدقاء المكرمين...
بعد إلقاء كلمات عميد الكلية، وأساتذة الكلية، وباركوا للمتفوقين نجاحهم ووزعوا لهم الهدايا...
قالت ماريا: في الحقيقة لا يزال بيننا متوفقين قدموا من سوريا هدى وفارس فليتفضلوا بالصعود إلى المنصة.
هؤلاء هم أصدقاؤنا وربما نحن الإسبان أبناء الأندلس نكون أحفاد العرب هذا يعني ضيوفنا هم أبناء عمنا...
سألت ماريا هدى ماذا تحبين أن تقولي إلى زملائنا الطلبة كنصيحة منك كونك واحدة من المتفوقات في المجال...
قالت هدى في لغة إسبانية صحيحة لكن بلهجة غريبة عن الإسبانية الحقيقة: طريق النجاح هو المثابرة...عدم التخاذل، عدم الاكتراث، عدم الخوف من الوصول إلى الهدف، لا بد من الصعوبات، لا بد من سهر الليالي، لا بد من دفع الضريبة، وأحيانا الضريبة باهظة... لكن النجاح يستحق. وهو شرف الحياة، النجاح هو واجب ديني ووطني وأخلاقي، هو صلاة وهو محبة...
سألت ماريا هدى ما هو شعورك وأنت غريبة عن أهلك، ربما أنت في بلاد أجدادك؟
قالت هدى: لقد حفظت أغنية من كوبا أرددها دوما حتى في صمتي: عندما تركت كوبا تركت وطني تركت حبيبتي تركت أهلي تركت حياتي...
أنا سأغنيها لكم مع بعض التحريف أقول: عندما تركت سوريا، تركت وطني، تركت أهلي، لكنني أحضرت معي حبيبي، ونظرت إلى فارس نظرة فجرت فيها مخزون قلبها، ونبع الحب من كيانها يتدفق غزيرا...كانت تلك الكلمات صرخة فجرتها هدى قالت فيها كل ما خبأته من ألم ومن دموع، كان محصورا في قلبها...
أوقف هدى عن المتابعة هو هدير التصفيق من الطلبة الحضور...
أخذ فارس ميكرفون الصوت وقال: ربما الماء المسجون بين الصخور أو في أعماق الأرض يناضل حتى يجد له مخرجا، حتى ينبع ويتدفق في نهر يروى عطشنا...لكنه بعدما ينفجر لم يعد بالإمكان توقيفه ينبع بعد ضغط شديد محبوسا في جوف الأرض...
هكذا هو الحب في القلب... عندما ينفجر القلب، ترقص العيون، ويبوح اللسان بأعذب الكلمات، تتفتح البراعم، وتملأ الورود الأرض العطشى عطرا وجمالا وروعة.
تصفيق حاد جرى من الحضور...والأهم هي تلك المكاشفة التي حصلت في تلميحات هدى وفارس ، كل منهما وصف الحب في قلبه
لكن لا تزال المكاشفة مجرد تلميحات قريبة وبعيدة تحتاج إلى خاتم يمهرها بخاتم الحب وتحتاج إلى توقيع الحبيبين حتى يوثقان كلامهما...
عندما عادا إلى سكنهما، كان صمت يسود الأجواء. كيف حدث كل هذا، ببساطة وعفوية وشفافية...
هل كانت هذه الكلمات مفتاح طريق العمر، وهل كانت كلمات فارس تعبر عن مخزون قلبه الذي لم يظهر مرة في عينيه، وماذا عن ماريا، هل المقصود في كلام فارس هو ماريا؟ وهل استسلمت ماريا هكذا وخسرت معركة الحب أم إنها تخفي أفعال عزول سوف تظهره لاحقا؟
أسئلة كثيرة كانت تدور في رأس هدى جعلتها في حيرة من أمرها بعدما وصلت إلى نقطة اللقاء والمكاشفة والبوح بمكونات القلب
هل فارس كان يعني هدى بكلامه أم يقصد ماريا؟
تلك الليلة باتت هدى تارة تبكي وتارة تضحك، هل استعجلت بكشف غطاء عواطفها، هل فارس كان يعني ماريا في كلامه، لا أدري؟
الحلقات السابقة موجودة في مجموعة
(ثلاث شمعات)
الكاتب: عبده داود
إلى اللقاء في الحلقة السادسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق