**عزف منفرد **
بطبعي خجول وأعشق الظلّ
أرتّب وحدتي المبعثرة في الزوايا المنسية قليلة الضجيج
لا تسمع فيها غير أنين القصائد وبقايا نشيد
أجمع شتاتي حين ياتيني البحر زاحفا متوسّلا
البحر مثلي متخم بالمشاعر المتنافرة
يبحث عن وسادة حضن قادر على الاحتواء
كلّ ما فيّ يغلي كتنّور كره الاحتراق
آه من الاشتياق
انشر حنيني على حبل الغسيل
وأخجل من نشر ارتجافي على قارعة الطريق
أرتّب الشوق بحسب الألوان
كشكول منمّق من المآسي والأحزان
أعرّي سذاجتي وبعض جنوني في وجه الشمس
لعلّها ترتّق الجروح الصاخبة التي تأبى الرّتق
لعلّها تصلني ببعضي الذي هاجر دون أن أعلم في العتمة
اتّخذ منّي محطّة ثمّ مناء حرب وغدر
حمل الطريق وقطع دابر المسافة وتاه في سراب الضباب
غيّر العناوين وأسماء الشوارع
وزيّف رسم خرائطي وذيّلها بمفاتيح الغياب
هل هناك بدّ من العتاب؟
ذات مرّة وبغباء طفل ساذج نزعت شرياني وأهديته قلادة
وبقيت أعرج كدمع سقط على الإسفلت فتبعثر
أتّكئ على عكّاز حلم عاجز
عكّاز أيوب انتحر هو الآخر وخارت قواه
ثقل المشاعر لا يضاهيه حتى ثقل الأرض نفسها
تعبنا وهرمنا وأضحت أعشاشنا أطلالا خاوية
لا تؤمها غير الغربان الشامتة
وفجأة .. نفض الربيع القحط عن حقولي الشتوية
ونطّ الفراش الحالم في أنحاء حديقتي الخلفية
وزقزق العمر المتيبّس في عروقي
وشفي عرجي
وطار فرحي محلقا في الفضاء بأجنحة التحدي
واسترجعت المدن ساحات العشق فيها
عاد النور أخضر كالزّمرّد المتناثر على أعتاب الوشوشة
حين تختلط الأنفاس بعطر الوجد الآسر
وحين ترتفع سرعة النبضات لتصير نوتات أغنية عشق جارف
وحين ينتصب القمر خيمة نور على رؤوسنا
فيظللنا الليل
ويضللنا الوجد
ويدبّ الماء محتشما تحت أقدامنا المترسّبة كالجذور في عمق الأرض
كاوتاد خيمة بالية تعاند الريح كسور الصين العظيم
جميلة أنت كقرنفلة زجاجية من الكرستال تمتصّ النور في نهم
كعذراء حالمة أسدلت جدائلها حبال عشق تسعى كعصا موسى
أشتمّ رائحة العنبر البلدي في ثياب طفل يلهو
هو منشغل عنّي .. ولكنه مثلي يبني عالمه الورديّ غير مكترث بأتفاسي التي تشقّ شعيرات القماش دون تماسّ
تلامس الطيب
ووجه الحبيب
وتضرب للنشأة موعدا قريبْ
أجمع التفاصيل الصغيرة لأشيّد كوخا ونخلة وخلاّ وفيّا
يقاسمني كسرتي وزيتوناتي وشغفي
لن اتوقّف عن الحبّ مادام النفس مطيّتي
يسافر بي كلّما تاقت قصائدي للانعتاق
بقلم: الأستاذ : عبد الستار الخديمي - تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق