حكاية جميلة (أو ما يسمى بجريمة الشرف)
سكنتْ جميلةُ دونَ ذلٍّ أوْ هوانْ
في أسْرَةٍ كَرُمَتْ بأسبابِ الأمان
حتى أتاها العنفُ وانعَدَمَ الحنانْ
وغدتْ قلوبُ الناسِ خيطًا من دُخانْ
كانَ المدى بشذا جميلةَ يعْبِقُ
والشمسُ تصحو للجمالِ وتُشرقُ
والقلبُ يشدو بالغرامِ ويخفِقُ
والعيْنُ ترنو للعُيونِ وتنطقُ
كانتْ جميلةُ تعْشَقُ البحرَ الكبيرْ
وتعيشُ قُربَ الموجِ في بيتٍ صغيرْ
كانتْ تُرى بسعادةٍ كُبْرى تسيرْ
فوقَ الرُبى حتى الوصولِ إلى الغديرْ
كانتْ فتاةً حرَّةً مثلَ الرِياحْ
لا حدَّ يردَعُها كأصحابِ الجَناحْ
تلهو وتلعَبُ لا تُبالي بالجِراحْ
فغدتْ حديثَ الناسِ حتى والمِلاحْ
عشِقَ الشبابُ حديثَهَا وَجمالَها
ورجا الجميعُ وِدادَها وَوِصالَها
لكنّهُمْ شعروا بأنّ دلالَها
وَغُرورَها قد أفسدا أحوالَها
كانتْ جميلةُ ذاتَ يومٍ تسبَحُ
وعلى رمالِ البحرِ أيضًا تمْرَحُ
كانتْ كذلكَ بالأغاني تصدحُ
وَمَعِ النّوارسَ كلَّ حينٍ تسْرَحُ
مِعْطاءَةً كانتْ ولا تتأخّرُ
تُعطي بلا شرطٍ ولا تتفاخَرُ
كانتْ تجودُ بِجُهدِها لا تُؤْمَرُ
مَنْ طبْعُهُ الإحسانُ لا يَتَشاوَرُ
سمعتْ جميلةُ صوتَ بحرٍ يشْهَقُ
والرعدُ يقصفُ فجأةً بلْ يصْعَقُ
ورأتْ طيورًا بالجناحِ تُصَفّقُ
وبدونِ أن تدري رأتْ من يغرَقُ
ركضتْ إليهِ بغيرِ خوفٍ أوْ وجلْ
فالوضعُ يرفُضُ أيَّ جُبْنٍ أو كَسلْ
سبحتْ إليهِ بسُرعَةٍ وَعلى عجلْ
والقلبُ يحدوهُ التفاؤلُ والأملْ
رجعتْ وموجُ البحرِ يبدو كالجبالْ
ويدُ الغريقِ تُحيطُها دونَ ابتذالْ
ظلّت تقاوم لا تبالي بالمُحالْ
حتى تمطّى كالقتيلِ على الرمالْ
بدأت تمارسُ عِلمَها حتى تعيدْ
ذاكَ الغريقَ إلى الحياةِ من جديدْ
مالتْ عليهِ ودلّكتْهُ كما الوليدْ
فالجسمُ صلدٌ والضلوعُ كما الجليدْ
بدأَ الغريقُ يَعي حقيقةَ أمرِهِ
فَبَكى ولمْ يخفِ الأسى في صدرِهِ
خرجَ الشقيقُ للحْظَةٍ من وكْرِهِ
فرأى جميلةَ معْ فتىً في عمرِهِ
عادَ الشقيقُ بِسُرعةٍ للظلْمةِ
لمْ يُعطِ نفْسَهُ فرصَةً للحكمَةِ
فبلا دمٍ يروي الثرى أو نقمةِ
شرفُ الشقيقِ يَظلُّ مثل الفحمةِ
دَخلَ الشقيقُ مغارةً بينَ الصُخورْ
فأثارَ خوفَ ورُعبَ أفراخِ الطيورْ
بحثتْ يداهُ بجرأةٍ وبلا شعورْ
حتى اهْتدى للسيْفِ في أحدِ الجُحورْ
حثَّ الخطى متهوّرًا نحوَ الفتاهْ
تلكَ التي حملتْهُ دومًا في صِباه
قتلَ البراءةَ ظالمًا سلبَ الحياهْ
أمّا الدِماءُ فلن تواريَها المياهْ
د. أسامه مصاروه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق