الخميس، 28 سبتمبر 2023

لست وجدك للكاتبة عبير الصلاحي

 لست وحدك...

لطالما استنكر كثرة شكوى  المحيطين به كلما حكمت الظروف بلقاء أحد منهم في أي مناسبة أو خلال موقف من المواقف وكان يستمع شكواهم في صمت  ثائر على إقحامه فيما لا يعنيه وكلما استرسل أحدهم في الحديث رمقه بنظرات شاجبة شكواه ولسان حال نفسه يردد في جنبات روحه مالي وما انت فيه ?! ثم أنك ( لست وحدك )..فكلنا نعاني .!!

وكم تمنى لو امتلك الشجاعة ليلفظ تلك العبارة خارج جنبات نفسه الساخطة كي يخرس  السنة الشاكيين ويظل يرددها على الملأ أينما ذهب كي يكفي نفسه  عناء اقتحامه فيما لا ناقة له فيه ولا جمل لكنه كان يؤثر الصمت فيهز رأسه ماططا شفتيه مظهرا الاكتراث لما يقال ويمضى بعد إنهاء الشاكي حديثه يتملكه السخط متمتما بعبارته الاثير"يا اخي لست وحدك "ارحمنا فنحن فينا ما يكفينا لا سامحك الله!!

 .وفي أحدي المرات وبينما هو في ماض في استنكاره إذ توقف فجأة اثر عربة مسرعة أطاحت به دونما انتباه منه فقد  كان غارقا في بحر سخط اعمى عينيه عن رؤية السيارة وهي مقبلة نحوه وأصم  أذنيه صدى  عبارته الاثيره عن سماع  بوقها المحذر إياه .

ثم ما لبث وان أطاحت به فسقط مغشيا عليه ولم يتنبه إلا حين فتح عينيه بصعوبة بالغة كي يجد جسده ممددا على سرير ابيض حوله لفيف من الأطباء قد علقوا له خراطيم خرج بعضها من فمه والآخر من أنفه وهو شاخص الوجه عاجز عن الحركة أو النطق إلا أنه كان يسمع بوضوح حوارهم حول حالاته وكيف أنها كانت  من الخطورة بما يكفي لإلزام إجراء جراحه عاجلة على الفور وإلا أصبحت حياته في خطر

وهنا   أدار عينيه يمنة ويسرة بصعوبة بالغة إذ أن مجرد تحريك عنقه كان من المستحيل حينها أدرك صحة ما قالوه عن حالته.

 ثم أردف المتحدث كيف أنه حين أحضر للمشفى لم يكن معه إلا بعض المارة ممن أسعفوه وكيف أنه لم يكن معه ما يثبت هويته إلا أن من أحضروه أصروا على إجراء اللازم له بل وتباروا في  التوقيع وتحمل مسئولية العملية بل وكافة نفقات علاجه .كل هذا وهو  في سريره يستمع في شئ من الدهشة وما إن انهى الجمع حديثهم حتى ربت أحدهم على كتفه مبتسما قائلا له بصوت يحدوه الحنو..:(حمدلله على سلامتك يا بطل..والله لقد كتب لك عمر جديد ..نحمد الله على نجاتك) .

ولما أن اغمض عينيه بعدما عجز عن الرد بفعل ما هو عليه  غلبته دمعة سقطت من عينيه مخبرة بأنين نفسه وشدة كربها..فاستأنف المتحدث كلامه قابضا على كفه في شئ من الازر .لا عليك اطمن فأنت...( لست وحدك)..وللمرة الأولى تطرق عبارته الأثيرة أذنيه في شئ من الغرابه ..فلطالما رددها قبل ذلك كي  تملأ نفسه سخطا وضيقا إلا أنها تلك المرة عادته كي يروي جنبات نفسه شلال من الطمأنينة والرضا جعله يغمض عينيه محاولا منع دمعة أخرى لم يستطع إيقافها فوقعت خده كسوط من اللهب يؤنب ذاته على سوء فهمه عبارات إنما خلقت للأزر لا للتخلي..وهنا فقط هوم برأسه مقرا  بفهمه لعبارته الأثيرة  لأول مرة حق الفهم فقد أدرك اخيرا متى يردد في رضا وبشاسة  لا استنكار وتأفف..عبارة (لست وحدك،)....

عبير الصلاحي

من مجموعتي القصصية "دروس من الحياة"تحت الطبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق