السبت، 30 سبتمبر 2023

خاطرة للشاعرة لطيفة حمدي

 خاطرة أهديها  إلى روح أبي الطاهرة 


 كم يستهويني  الجلوس  في شرفتي  لتناول فنجان من القهوة  تفننت في إعدادها  وجهّزت لها أجمل الأطباق عندي وٱجتهدت في ٱختيار أفخم الفناجين  حتى تناسب مجلسي الموقّر ومكاني المقدس  لأكون  بعيدة عن ضوضاء  الحياة وصخبها ،وممّا يزيد المشهد  رونقا وبهاءا. زخّات المطر التي تنعش الروح وتشفي سقمها وهي تتهامى فوق الطرقات  في حياء وهيبة  محدثة سمفونية تشبه نشيج الروح  جلست على كرسيي المتحرّك الذي تأسرني  حركاته المنتظمة  وتجعلني أحسّ بالأمان والطمأنينة وتذكرني بهدهدات أمي وهي تحاول  ٱستدعاء النوم لأجفاني الرافضة للراحة المقبلة على  اللّهو وشقاوة الأطفال وقد كانت  المسكينة تجتهد في قصّ بعض الحكايات   عساها  تفلح في تحقيق هدفها وتجعلي أخلد إلى النوم حتّى تتفرّع هي إلى أعباء  البيت و بعض الأعمال اليدوية التي تدرّ عليها بعض الأموال  لتساعد والدي  لتلبية مطالب الأسرة الكبيرة .انسدلت جفوني وٱسترخيت على الكرسيّ  فراودتني  صورة أبي وهو يعود من العمل قد اعياه التعب وهدّه الجهد وٱرتسمت ملامح الكهولة على وجهه  المرهق لكنه عندما نستقبله يأخذنا بين أحضانه مبتسما راضياً  مجتهدا في إخفاء ذلك الوجع الذي لا تعلمه سوى رفيقة دربه ومن قاسمته  مشاق الحياة .

كان والدي رجلا طيّبا حلو المعشر  هادئ الطبع يغمرنا بعطفه وحنانه ويغدق علينا من عرق جبينه وممّا ٱكتسبه من مال حلال فنشأنا على القناعة ورضا النفس وطمأنينة العيش فزادنا الله بسطة في العيش وسعادة ٱنعكست على تربيتنا وتوازن شخصياتنا ،كان إبي قدوتنا و مثلنا الأعلى  وقد  أورثنا هذه الخصال الجميلة التي افتخر بها  وأعتبرها أعظم ثروة فما يبقى ويخلد  هو الخلق الكريم والاصل الطيّب وما دون ذلك هو فان.

كم أنا سعيدة باني إحدى بناتك يا ابي وكم أفتخر أني ٱنحدرت من رحم تلك الأم  الرؤوم العطوف التي  ما بخلت يوما في إدخال البهجة والسعادة على بيننا العامر بالمودة والرحمة والألفة ،رحمكما الله وجعلكما في الفردوس الأعظم .كم افتخر بكما .


لطيفة حمدي 

 تونس في: 9 سبتمبر 2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق