الرحلة
أين الصبي الذي كنت أعرفه .. الصبي الذي قال إنه يحبني كثيرا ؟ أين ذهبت لمساته اللطيفة ؟ وهل من أراه اليوم هو ذاك الطفل الذي كان بالأمس صغيرا ؟ أين ذلك الصبي الذي أمسك أبوه بيده الى المدرسة وهو يبكي عن اللعب ؟
إن هذا الصبي هو الذي كنت أحبه بالأمس ! وهو الطفل الذي كان يتغنى بالنجوم العليا .. إنه بالكاد الرجل الذي أعرفه الآن والذي اعتاد أن يبذل قصارى جهده ليكون صادقًا .. إنه حقًا هو من أصبح لا يرغب في اللعب ثانية ..
إنه ذلك الرجل الذي توقف عن تقبيل الناس .. وأراد التوقف عن الكلام والحركة والحب مرة أخرى ..
لم يعد ذلك الصبي كما كان .. كان قديما يتعود على ان يكون كما شاء له آخرون .. واليوم بدأ يعلق عن كل شيء .. بدأ ينفي كل مقولاته وأحكامه ويقينياته .. أصبح يشك في كل شيء وفي كل شخص .. واتخذ الزمن خصما له حين تلاشى بين يديه كل جمال الطفولة وشاخ كل شيء من حوله ..
إنها أسئلة شائكة .. أسئلة تطرح نفسها على أناس يقدمون أنفسهم في أكفان كانت فساتين ليالي حفلاتهم .. أصبحوا يتصارعون في لغات مختلفة .. يستعملون كلمات وأصوات لا تخضع لأي منطق .. يسخرون من أنفسهم ومن غيرهم وهم يستخدمون الآليات التي رسختها الشياطين والأشباح في أذهانهم .. يتحدثون عن فلسفة الماضي والمستقبل بكلمات الحاضر التي تنفلت لكل طرفة جفن .. يصفقون للموت والحياة على حد سواء ..
إن ما يهم في رواياتهم أو سيرتهم الذاتية هي موسيقى الكلمات التي تساعدهم على توضيح كل ما يغيب عن حواسهم خارج المكان والزمان .. وقد يتم تقويض كلماتهم وراء كل مقطع يكمن فيه الألم أو الضحك .. لكن استبدال كل كلمة بأخرى يعني أيضا المخاطرة بالحزن والفرح والوجدان الذي ما زلت أحمله داخل جثة الطفل الذي كنته ..
أنا فعلا هو الطفل الذي كنته .. وعلي إذن أن أختار كلماتي لأتقبل التجاعيد التي سيطرت على نظارة جسدي السابق .. لأقول إن الطفولة هي فتنة عمر الإنسان وإن التقدم في السن فعل قاتل في الكبر .. وما هذا العالم إلا مرآة مكسورة تتأرجح فيها الصورة بين التراجيديا والكوميديا ..
أحمد انعنيعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق