ربيعة
عاشت ربيعة بيننا زمنا لا أعرف مقداره، لكنها غادرت عندما كنت في الخامسة العاشرة من عمري بعدما تزوجت شخصا لا أعرفه.
لم أتساءل أبدا من هي، و لماذا تقوم بأشغال البيت، و من أين أتت، و هل تشتاق لأهلها أم لا ؟
كان وجودها يبدو طبيعيا جدا بحيث لا يثير أي تساؤل أو دهشة. و رغم أن فارق السن بيننا لم يكن كبيرا جدا إلا أنها كانت أكثر نضجا و عمقا بكثير !
قلت لها ذات مرة بعدما غسلت الأواني و كنست البيت : أرأيت كم ساعدتك اليوم في أشغال المنزل ؟
فأجابت : لم تساعديني، فهذا بيتكم و ليس بيتي !
قلت لها باستغراب واضح : و لكن أليست هذه أشغالك ؟ أما أنا فلست مجبرة على القيام بها !
أجابت : تنظفين بيتك و تمنين علي ؟
ازداد استغرابي من قولها، خاصة و أنه بدا منطقيا جدا ! فذهبت أسأل أمي إن كانت ربيعة على صواب، و كنت أرجع إليها في كل أمر أحتار فيه، لأن لديها أجوبة لكل شيء !
قالت أمي : ربيعة على حق، كل من في البيت مسؤول عن نظافته و العناية به حسب قدرته و ما يسمح به وقته. أما هي فمساعدتي أنا، أثق بها و أوكل إليها أمور بيتي و ليس لأحد غيري أن يطالبها بشيء أو ينتظر منها تبريرا على شيء ! ما عدا هذا فأنتم سواء في البيت مثلها !
علمتني ربيعة درسا لم أنسه طوال حياتي، فمن يعملون لديك هم من يحق لهم أن يمنوا عليك لأنهم يساعدونك في تحقيق أهدافك و نجاحاتك و يبقون في الظل، بينما نقدم لهم نحن مقابلا ماديا قد يكون كافيا أو غير كاف لهم، دون أن نعبأ بأحلامهم أو ندري شيئا عن تضحياتهم !
قالت لي يوما أيضا : أنت لست أفضل مني كي أقوم بخدمتك، فقط هي الحياة تدور بنا حيث تشاء !
كانت يتيمة الأب و استولى عمها على إرثها فاضطرت للعمل و هي ماتزال يافعة جدا، و لم يكن لدي أي علم بما يمكن أن تعيشه فتاة مثلها !
فقط هي الحياة تدور بنا حيث تشاء كما قالت !
نادية مداني/ المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق