الاثنين، 26 فبراير 2024

من أين أنت ؟ للأديب الحسين صبري

 مِن أين أنت


ولِمَ كلُّ شيءٍ يكون على هذا النحو، لمَ لا يدع أحدكم الحقيقة تَزِنُ نفسها

هل يستطيع أحد إنكار كُل ما يحدث من حولنا، هل يستطيع أحد إخباري لمَ تغيّرنا، أم أننا منذ القِدم على هذا الشكل وعلى هذه الشاكِلة


تائِه وضائع أنا دون توهان، غبيء رغم كل دراستي، بليد وغليظ الذِّهن أنا رغم ما تعلمته من فِطْنة، فقير أنا رغم حسابي المصرفي، حزين أنا رغم أنف إبتسامتي، تعيس أنا رغم أطفالي الكُثر من حولي، بائس أنا رغم تجوالي وفُسْحتي في شوارع مدينتي، قلبي لم يعد يَدُقّ رغم الحُـب الذي يفيض منه، بارد أنا رغم تذفّق الدماء في عروقي، حائرًا أنا رغم تيقني من كل أخطائي، أشعر بالغُرْبة رغم أني لم أخرج قَطّ من وطني، غريب أنا رغم أني مولود هنا في بلدي، تَشعر بالوحدة نفسي رغم وجود الكثير من الأصدقاء حولي......


سألني أحدهم في إحدى البوابات الواقعة في الطريق العام مِـن أين أنت، تلعثمت ليس خوفًا لكن مندهشًا، وفي نفس اللّحظة ضحكت، في الحقيقة لم أستطع الإجابة على هذا السؤال التافه، أصر ذلك المُلثّم على سؤاله وأنا لا أملك إجابة، بِصدق لا أملك إجابة،  تركني كما يترك أحدهم معتوهًا بعد أن أخذ أوراق سيارتي ووضع عليها بِقلم حبر بعضٌ من العلامات، لم أستمر في طريقي وعدت أدراجي إلى بيتي وظلَ السؤال يتردد في ذهني ويراود فكري ويتلبسني ويتملكني، مـن أين أنت، مِن أين أنا، وتبعه سؤال اخر طرح نفسه بِنفسه بعدما ضقتُ ذرعًا وإنتفخ من انتفخ من جسدي، من أكون أنا أصلاً


لا شيء يسير على النحو المطلوب، أنا أعلم بأنه هناك خلل ما، ما هو ومتى حدث وكيف لا أعلم، أردتُ أن أبحث عن جرح لأضع إصبعي عليه وإذ بِجروح كثيرة وجلّها غائرة وبعض من الكسور براءت على عوج  وأفكار متناقضة مع بعضها وأخطاء كثيرة لا لبس فيها وكل الأقوال مكذوبة وأشياءنا كل الأشياء معطوبة وكأن الصدق والكذب كالليل والنهار يتشاكسان، وكأنما لم يعد هناك إنسان، والشجاع أصبح جبان، والسارق والكاذب والمزور صار يحمل لقب الحاج، إلى ماذا نحن نحتاج، فالأخلاق صارت في خبر كان......


رغم تعاسته ما زال على حرْفٍ من أمره، وسيبقى سعيدًا رغم أنف من حوله، وفخامة الإسم تكفي، أرض الأحلام والآمال والطموحات والأدب والشعر والحضارة والتاريخ، هكذا عرفته بهذا الإسم الـيَـمَـن السعيد

وأقول مثلما قال الشاعر في  صَنْعاء (كانت إمرأة هبطتْ من ثياب الندى ثم صارت قصيدة)......

هل تعرفون بأن المسافة بين اليمن السعيد وفلسطين هي نفس المسافة بِفارق ثلاثة كيلو مترات فقط لصالح بنغازي، صدقوا ذلك فكتاب الأطلس لا يكذب أبدًا

إلا أن اليمن اليوم بِجوار فلسطين بل في قلب فلسطين، أما نحن بقت المسافة هي المسافة وآهٍ يا طـول المسافة 

السعادة يا صديقي تكمن في أشياء نفعلها وإن كانت في طفل أعطيته حلوى......


نحن يا رجل لم نكن كاليمن يومًا، ولم نسير على خطى من سبقونا، على خطى أسلافنا ولم نكن كأجدادنا ولم نكن شيئًا أصلاً، مجرد أناس ندعى بشر سكنا هذه الأرض بالصدفة أو بالترحال ولم نعرف حتى قيمتها وهمنا وظيفة في (الدولة) دون الذهاب إلى العمل وبِراتب كبير قد نشتري به ثورًا ضخمًا للشواء وما تبقى من راتبنا لعلنا نشتري به بعضٌ من السعادة والتى صارت في بلدي أي السعادة نمضغها وتمضغنا تمضيغًا أو مضغًا.

ستظل هذه المقالة ناقصة بعض الأجزاء، فالعيون والمآقي لا تكف عن البكاء، فهل نحن سعداء أم مجرد غرباء لا يحب بعضهم بعضًا ووعـذرًا......

🖊الحسين صبري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق