الخميس، 4 أبريل 2024

قصيدة بلا عنوان للشاعر مصطفى محمد كبار

 قصيدة بلا عنوان


أجهل لغة الحوار مع البقاء 

في العدم

و لم أتعلم الشعر بعد

مثل الآخرين

ينقصني فكرة المتوفي قبل

موته

لأقول بمديح حدائق الوحي

قصائد تشبه القصائد 

فأنا كارثة الحقيقة خلف

الذكريات 

فوحدي 

بين الضجيج و الصمت

الكئيب

يملأئي فراغ  كبير

و ينقصني ألوان الآلهة

لأجس نبض الحياة

لن أعود 

و لن أذهب

سأترك كتابات الليل 

على حالها

و سوف أحضر نفسي لأن

أبكي مجدداً 

حتى إذا عاد الغياب

اصطدمَ بجرحنا هناك 

و ربما يبكي مثلي

يداهمني القلق الشديد

المحبط

فأنا لست سوى حجرٌ

بحلم من تشهى

موتي

من منا هو المقتول سألت

ظلي المكسور 

فهل نجى أحدٌ أم مات

الجميع بخيبة الأمل

قال لو لم أكن معك بهذا

الزمن المريض لنجوت

مراراً من الموت

قلت إذاً أنا و أنت شبيهان

في الوجع

و النسيان هي خريطتنا لما

بعد الغياب

تمتم بهمس و تنهد وهو

يلملم نفسه

أنا الخاسر القديم في دنيا

الهلاك

و أنا المبعثر كأوراق الخريف

بمتاهات الدروب

و لا أنتمي لهذا الليل الأزرق

ثم مضى دون أن يودعني

كعادته

و أغلقت بيننا سيرة الحكايا

كفصل الراحل ضاع به

كل شيء

دون أن نعلم من منا هو

المذنب

بين أروقة العمر و السنين

بجرحي

عابرون كثر قد مروا من

هناك

و كتبوا على جسدي ما ورثوا 

من الوقت و أجادوا

بوجع الوتين

مضوا بسفر الريح مثل الغرباء

كالغبار 

تناثروا في أزمنة الشر و

تمردوا

كان كلامهم  يهمس بإسمي

خلسةً هناك يا غريب 

قالوا كلاماً كان يشبه أبيات

شعري الحزين 

الوقت كان يرسمني طائراً 

طليقاً بالمدى

تباعدت المسافات و انعدمت

الرؤى 

كان لنا ماضٍ صغير بالمكان

و أحبة و أهل 

كان بيننا وعدٌ من البنفسج

أنا و هي و حنين الطفولة 

البريئة

فالفراشة التي كانت 

تلعب فوق صدري لعبة الأزهار 

متى احترقت .؟

الصبحُ كان هادئاً مع الياسمين

و كان له دور بسعادتنا

هناك

فرائحة الخبز في الصباح

كان يأتي بالخير 

و جلوس أبي على فراش 

النوم و حديثه الجميل 

فكيف ننسى فنجان القهوة 

بطعم الهال من  يدَ  أمي

يا الله

يا الله 

هل نخبر الحجر بأنه 

كان

حلماً و تلاشى سريعاً 

فتبدل الزمان و تغير المكان

فالرحلة كانت صعبةٍ و

قاسية 

و تحولت كل الألوان إلى

ظلام 

فقلت على الحالمين أن يرتبوا

مواكب أضريحتهم قبل

المساء 

فالمساء يحتضن  صمت 

الأموات

فمازال لديه قصص الحائرين

غير مكتمل

حزنٌ أليم و نارٌ مازال يحرق

العمر كله بيوم النكسة

أرقٌ و تعبٌ و غدٌ أحقر  

يشدني لجدار السقوط في

عجلْ

فهل اكتمل بجسدي طقوس 

الموت كله

أم مازال لدي من الوقت

ما يكفي لأموت أكثر

خلف الراحلين 

يا أيها التمني كم مرةٍ ستموت 

فينا و ترحل خاسراً 

بنا

كم مرةً سنموت من الخلل

الإنتماء هنا

قد خذلتنا كل صلواتنا بباب

الرحمن مع الأيام

فكلما  بكوا القدماء علينا 

تهنا في الغياب أكثر

كانوا يصنعون لنا أكاذيب 

اللقاء

مخلصين لنا كانوا يتوهمون

و يوهمننا 

بأن غداً سيكون أجمل من

الأمس الحزين

فتنهدت السماء بحسرة و

تشاغبت عن قصد

و افترقنا كل واحدٍ  منا

عن الآخر

فلم أقل لها وداعاً  و هي لم

ترى دمعة بفراقها

و لم تقرأ من أبيات شعري 

كل ما كتبتُ عنها

ماتت و دفنت بأرضٍ غريبة

لا تشبه 

الأرض التي دفنا بها كل 

أمواتنا

كانت أمي لديها حلمٌ صغير

أن تلتقي بولدها البعيد 

لكن ريح الإنقلاب من عرش

الحاقدين أجهدها

كانت هناك تركتها ورائي

تبكي

و أنا أيضاً بكيت مع بكاء أمي 

و إنكسرت بدمعها

دون أن أدري بأن الموت

كان حاقداً

بجسد الضحية فأوصلها لزمنٍ

آخر و أنهى مهمته بقتلي

و قتلها

الساعة كانت تدق بضجر

التائهين 

كان الوقت يذهب للغروب

أو بعده بقليل

الأشباح كانوا في شوارعنا الفارغة

يجرون طفلةٌ مقتولة ورائهم 

و كانوا يصرخون و يهلهلون

فرحاً

فكل الملائكة كانت تسقطُ من

السماء محروقة واحدة 

واحدة

أهي القيامة التي قامت علينا

فأحرقتنا كحطب

الشتاء

فلا يكفي أن نتوجع و نقول

كنا نعيش يوماً ما

كان الصمت معزولاً تماماً

و راسب

و الدخان كان يخرج من جدار

بيتنا المهدوم

لم  أقل وداعاّ  لأمي قبل

أن تموت 

و لم  أكن مهياً بعد  للهزيمة

الكبرى

و الشعراء لم يكتبوا بعد 

شيئاً عن جرحي

حينما اجتهدوا بالوحي العاثر

هناك

أو  ربما تركوا مهمة العناء

لي وحدي

لأكمل سيرة الأشعار من بعدهم

و أجهش بالكلمات

فأن المكسور حرٌ بلغة

البكاء 

فكلما كتبتُ بجدار القصيدة

وصف شيئاً  ما

بدأت القصيدة بالإنهيار بأسفلها

من قسوة الأنشاد

لا شيءٌ يكسرني في هذا 

الغياب

لا شيء  يحييني  فجراً

لأحيا مع الشمس

كآبة الأمس بقيت تولدُ بالأحزان

حتى الموت 

و العمر راح يهزي بفجر

السراب و يجهش

حتى صور الذكريات القديمة

تلاشت هنا

فمضى  الروح يعنُ محطمٌ 

بذبحه الأخير

بجثةٍ فارغة ترنو بالبلاء

حتى القيامة

قرأت وصيتي الأخيرة 

كشعرٍ من وجع الحياة 

دون أن أسمع من الليل صدى 

الحنين 

ثم عدت إلى سريري 

الحجري

بذات الجرح القديم و نمت

حجراً منسيٌ بزمن

الإنكسار

فالبداية مثل النهاية بحلم

المقتول

لا شيء سيكسر هذا الضباب

الأسود

سوى دمعة الأم التي فقدتْ 

الأمل بعودة ولدها

الوحيد

فماتت أمام باب البيت

على الحجر بحسرتها

و هي  تفتقرُ  الحياة البعيدة

و أنا خلفها متُ  حجراً  

بغياب أمي

و ارتميت بجمرتها و شهقت

حتى نهاية الرمق

ثم كتبت على جدار القيامة

تائهون 

ضائعون 

منكسرون

سائرون من ولادة الفجر 

المقتول

كل الكلمات شاحبة

و مفردات القصيدة بقيت بلا

عنوان

فألف هزيمة تفصلنا عن

النجاة

فنحن دخلاء و متطفلين عند

أبواب الحياة 

مازالنا عالقين عند أبوابها

ننتظر الفرج للدخول

إليها

لكننا لا نملك تأشيرة الإذن

و المرور

و لا حظ الأنبياء بطقوس

العبادة 

نحيا فلا نحيا و كأننا خلقنا

للاشيء

فوق مقابرنا الكثيفة هناك 

بكاء الراحلين

تحملها الملائكة في الريح 

كسفرٍ بعيد بعيد .....

فأمواتنا هم غرباء الموت 

القدامى

لكنهم قربين منا أكثر

من الروح

رحلوا خائبين من هذا الزمان

المر

رحلوا و هم معانقين وجه

الأمان في الرحيل

تركوا فينا وجع الأثر و

انصرفوا بعيداً

تركوا وراءهم الزمان و تركوا

المكان بلا معنى

قالوا قبل موتهم متى سنحيا

مرة أخرى

عاشوا محبطين و ماتوا محبطين 

مع القصيدة 

ثم رتبوا أحلامهم بالهزيمة

الكبرى 

و ناموا مع الحجر  في

القبر ..... واقفين


بقلم  ..... مصطفى محمد كبار

أبو إسماعيل 

أبن عفرين 

حلب سوريا .........  ٢٠٢٤/٤/٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق