السبت، 6 أبريل 2024

متاهة مسافر متوفي للشاعر مصطفى محمد كبار

 متاهة مسافر متوفي


الطريق إلى القصيدة 

طويلٌ و شاق

و ترتيب الكلمات يحتاج إلى 

عبقري و معجزة 

قد مللت الرحيل و هذا السفر

الطويل

و مللت من زحام السراب

في جسدي 

خرجت من الذكريات و أنا 

أبكي

و عدت إلى الذكريات و صرت

أبكي

تركت ورائي التوابيت 

بأمواتي

دون أن أحملها لمثواها

الأخير

و لم أعد أتذكر منذ متى

و الرحيل يجهدني

منذ متى أسير على الدرب

بلا هواء

من تركته ورائي و من أخذته

بسفري الطويل

و لما لا ألتقي بخطواتي الثقيلة

أمشي تتوقف

أتوقف هي تمشي و هكذا

فنحن لم و لن نلتقي

هكذا تقول الإسطورة القديمة

بيننا و بين الفرح خصام 

و تار عداوةٍ لا تجد طريقها

للصلح

فمن يأخذني للوراء و يشدني

و من نسيت ورائي هناك

و من أخذت معي بحقائب

الإنكسار

ألف سؤالٍ يراودني و لا لدي

جواب

أمضي قدماً وأهزي بوجع 

الغياب 

فالإنشاد في وقت الوداع

للمقتول هي لغتي

و القصيدة و كل الكلمات التي

تبكي هي لغتي

فماذا فعلنا بالماضي العتيق

حتى نموت بحاضرنا

الأليم

ماذا سنفعل بهذا الكفر  

كي نتحرر من العبودية 

فأنا وجع الحياة و ذكرى 

المنكسرين بمرآة 

القيامة 

أركض مع الريح في سباقٍ

مع الزمن المر 

فأنكسر حيناً و حيناً ينكسر

الريح بأجنحتي

فلا الريح يكتفي من موته

بالهزيمة معي

و لا أنا أكتفي من قتل آخري

في نفسي 

فكلما جاء الريح و أورثني جسد 

الضحية 

دفنتها بصدري و أخفيت مقبرة

جديدة بداخلي

و حكايةٍ المقتول الذي أوصاني

أن أغطي 

نعشه براية الغريب الذي ضيعَ 

الهوية

قد سئمت هذا السفر الطويل 

إلى لا شيء 

و هذا اللا نهائي الضعيف الذي 

يكسرني

كما سئمت من الإنتظار في 

محطة الآخرين

فالصبح لن يأتي و لن يعود 

كما كان

و القطار لن يرجع ليحمل الهاربين

من الضجر و الحالمين 

فقلت محدثاً الشبح القريب 

يا شبحي من ..... أنا

قال ألستَ صدى الحجري 

القديم 

لا تحيا و لا تموت

لكنك تخاطبني منذ البعيد 

بلغة المحبطين و تشدني للهلاك

معكَ

قلت له ...... ؟

إذاً أنت كنت معي منذ البداية 

و تعرفني

و هذا الثقل في دمي هو

ظلك المدفون

قال  نعم أنا ظلك المكسور

في الهاوية

و قلت متى سنفترق أنا

و أنت إذاً

قال عندما يكبر الموت بقربك

و يكتمل الظلام

و يتراجع البحر لأول الموج

و يتحجر

قلت يا قاتلي لما لا تقتلني

دفعةٍ واحدة و تنتهي من

عبثي

قال قد تأجل موعد الأعدام

ريثما يحين الوقت لوجعٍ

آخر

قلت لما ....؟

قال  لتموت أكثر في الغياب

و تستكن

قد أعطيتك كل الوقت الملائم

مع الوجع الكبير

فمازال ينقصك خذلانٌ و الطعن

الأبدي

فوقفت عند أبواب القصيدة من

الصدمة و فكرت 

و راجعت بمخيلتي أحداث

السنين كلها

و قلت في نفسي كيف يسيل 

من ميتٍ قديم  دمٌ

ثم أغلقت بيننا حديث اللوم

هذا

و رحتُ أشقُ بجدار الكلمات 

و أبحث عن المعنى و الحقيقة 

الغائبة

فالحقيقة يجب أن أحيا مثل 

الآخرين

كما تقول رواية الإله بكتب

السماوية 

كي أحترم الآلهة و أقول لها

شكراً 

أريد أن أكون حراً في سماء

الحدس

أريد أن أكون حراً بين النجوم

و الكواكب

و أن أمارس حقي من بعد

الولادة المبتكرة لأحيا

قليلاً

يا الله لما كل هذا الاوجاع

و هذه النكاسات

لما  أنا فقط ولدت لوحدي

في الموت

و لوحدي عليَ أبكي على 

وحدي

و أحمل وحدي لألف موتٍ 

ثم أعود إلى وحدي فارغ

الكفين

كيف ساقول للإله البعيد 

شكراً 

و هو يحمل بيديه سكين

ذبحي

كيف سأقول للإله الواحد 

كفى قتلي

لقد مللت من ذبحك بالعمر

و أجهدني قتلك الطويل 

و قلت صارخاً بأعلى صوتي

للغياب

فهل الآلهة تسمع مثلنا و لها

آذانٌ كشكل آذاننا

أم  هي صاحبة القرار و الحكم

القوي بجسد الضعفاء 

قل يا أيها الحجر فينا 

لتلك الخرافة عن الحياة 

بأنها كانت كاذبة كل الأقاويل

و كل الحكايات

و إننا لم نشبع بعد من جسد 

المتوفي

فمازلنا ضائعون بين الحقيقة 

و بين الخيال 

فجسد المتوفي وليمة سانحة

لكل الكلاب 

هل هذا هو الواقع الذي انتظرناه  

و من أجله 

حملتنا أمهاتنا و تعبت و أنجبتنا

سيئين الحظ بالولادة 

لا ما هكذا يفيض وهج الحالمون

فالصفقة قد ضاعت من أمامنا

خلف السراب 

عدت إلى و لم أنجو

نمت من  و لم أصحو

تقاسمت مع الليالي لون

الأحزان

لم أكن أحلم بشيء الكثير

فقط قليل من الهدوء لهذا

العمر المتعب 

كنت أريد أن أنجو من السقوط 

لكني فشلت

كنت أريد أن أكون كأي أنسان

عادي لكني فشلت 

كنت أحلم أن أطير مع طيور

الصباح 

و أقول للصباح صباح الخير

لكني كالعادة فشلت 

فشلت بخيبتي من الحلم 

الضائع 

فشلت من عدم الاستقرار بالعمر

المحطم

فشلت بكل شيء يحيني بكل

شيء 

ضجرٌ و ضياع

كآبةٌ و صراع مع الوقت 

المهزوم

فألف وحدةٍ كانت كافية بهزيمة 

الروح الأخيرة

يا أيها البعيد البعيد 

خذني لآخري المتوفي منذ

الأزل

فيكفي هنا الوجع يقتلني بلغة 

الحقد و الغزل

فلم يبقَ عندي سؤالٌ عن تاريخ

الموتى

و كيف هو طريقة الموت الجديد

و شكله

لم أعد أملك رغبة التقليد 

كي أقول لك لا تقتلني مرةً

أخرى

فلا يحق لك أن تقتلني قبل

أن أكمل القصيدة 

و أقول  ذهبت للبعيد و لم

أذهب

و عدت من الغد و لم أخطى

للمقتول كي أموت معه

فأنا العاثر من لعنة الزمان

و أنا الفاقدُ من السماء بر

الأمان

فعجل يا أيها البعيد أقتلني

بدمٍ بارد 

فالموت أضحى فجراً بجسد

الضحية فآن الآوان

و الطريق إلى القصيدة مازال

بعيداً

فكل شيء يمضي إلى لا

شيء 

فإن الضحيةَ راحت تشكو

من العزلة و النسيان 

و الخبر صدى الراسبين على

طريق الموت المبكر

فالوجع نقش الهزيمة في 

الحجر 

على أطراف القصيدة 

المقلوبة ........


مصطفى محمد كبار 

أبن عفرين المسلوبة

حلب سوريا  ...... ٢٠٢٤/٤/٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق