السبت، 11 مايو 2024

القدس للكاتبة شوقية عروق منصور

 القدس عاصمة ثقافة  هذا  العصر وكل العصور

" هناك جهات تطالب بأن تكون القدس العاصمة الأبدية للثقافة العربية " ، وأنا كتبت :

تقف " القدس" لوحدها  ما بين تاريخها الموعود بالقدسية والاعتزاز والفخر والنضال والكفاح والألق النازف من حجارتها وأسوارها المنتفضة،  وبين بلاط طرقاتها الذي ينبض بخطوات الزمان مصمماً على عدم احتضان النسيان .

تقف " القدس " لوحدها حيث تتساقط التنهدات وتلوك بأسنانها البلورية العجز العربي الممتد في انحاء الفضاءات الناطقة بالأبجدية العربية والتاريخية والدينية .

تقف " القدس " لوحدها مكتنزة بالمسافات وألوان القهر ومرايا الزمن المعتم ، تتعطر بعطر الغربة وتدخل في قواميس البدء وسِفر الوطن الذي يملك ذاكرة الأحلام وثرثرة الوجوه التي تشرب فناجين قهوتها أمام قارئات الكف والتفتيش في الأبراج .

" القدس " قميص الغرور الذي يرتديه الزمن مهما حاولوا نزع ازرار العشق وصبغ شعر الشيب ، ستبقى وطن الروح وفرح الصور العتيقة .

" القدس " وحدها قاع جنون السياسيين وطقوس سراديب مواسم التيه العربي ، هي وحدها الفجر الذي يناجي التاريخ ثم يصهل ويرجع إلى أغنياته الحزينة التي تشكو من الأيدي المبتورة التي تصر على النعيق في قاعات المؤتمرات التي تردد كل الحقب الزمنية،  والكلمات راقصة غجرية تتلوى على السطور الوهمية كاشفة عن اقدامها العاجية المسجل على شرايينها ويلات التنازلات الحقيقية .

" القدس " من ابجديات اللغة وزفرات الكتب والمجلدات والقصائد العصماء ، من بين تجاعيد الوجوه وابتهالات المصلين وعناق الشمس مع الاحلام يخطو الحاضر ملفوفاً بالنسيان ، يمشي على إيقاع " أجراس الغفوة " .

" القدس " من أوجاع الأيام ومن أعراس الخطابات السياسية التي تشعل الميكرفونات وتطفئ أنفاس الواقع الموعود بعذاب التجاهل والهروب،  ومن توهج الأجيال نسمع صوت الانتحاب .

فوق عرش التاريخ وتحت عباءة الذاكرة نواصل التحديق في خارطة مدينة " القدس"  التي تتنفس تنفساً اصطناعياً ، ويندلق من بواباتها وأسواقها وبناياتها ووجوه سكانها الدمع وتفوح من جدرانها رائحة الأجنحة الشامخة المعلقة فوق ظهور النساء والرجال والأطفال .

حين تنزف جراح " القدس" لا ندخل أقفاص الهروب ، بل نتغذى على ورق المطابع ونشرب حبر الصدق ولا نصاب بالاختناق ، بل نعلنها بكل صراحة الصدى ورفضاً لمنطق الصمت واستكمالاً للحكايات المستيقظة .

" القدس " عاصمة الثقافة العربية ، ليس لأنها البوصلة وليس لأنها صرخة الاستنجاد الذي يقبض على العدل ويسجنه في مجاهيل مستنقعات الأمم المتحدة .

" القدس " عاصمة الثقافية العربية الأبدية لأنها حنجرة التاريخ المجبولة بالعشق التي تنطلق منها عصافير الفجر .

شوقية عروق منصور 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق