الاثنين، 13 مايو 2024

 ثقب المفتاح


قصة قصيرة                                       ليلى عبدلاوي – المغرب

  


استلقت فاطمة على سريرها وبعينين لا تقويان على الرؤية بوضوح، راحت تتأمل السقف، أشكال هندسية تتراءى وتختفي، والنور المنبعث من المصباح تشوبه زرقة غريبة وجلبابها الاسود يتشبث بالباب كما تتشبث ساحرة بقشتها وتطير في الهواء .. حادثة سير مروعة افقدتها أفراد اسرتها فآوت الى بيت قريبتها التي استقبلتها على مضض.. كانت نفسها تعيش مع ابنتها من زواج سابق في كنف رجل فظ الطباع.. يحيل ايامها جحيما لا يطاق..  هذا السرير الضيق المحدودب يزيد من اعوجاج قدميها.. والوسادة التي تشبه لوح الغسيل توقظها من أحلامها مرارا ... نظرت لا إراديا إلى جزء من مرآة معلق على مسمار بجوار النافذة.. كانت قد التقطته من قمامة الجيران ذات صباح كأنها تأبى أن تودع ما بقي من أنوثتها، في هذا البيت المشؤوم.. هالات سوداء تحيط بعينين حمراوين غادرت أهدابهما، واصفرار في الوجنتين، كأنها جثة نسيت في مستودع الأموات.. رباه! لعله الجوع الذي تُسكتُ نداءه بلقيمات تجود بها صاحبة البيت عليها في غياب الزوج .. أحسَّت بألم في صدرها النحيل.. صخور الذكريات سنان حادة تخترق جسدها دون رحمة، ووجوه الاعزاء الراحلين تبتسم لها على الجدار المتشقق . سمعت صرير الباب يُفتح....    

- مساء الخير سعيد.. 

هكذا كانت ربة البيت تستقبل زوجها كل مساء بتحية لا يردها إلا لماما.. نظرتْ من ثقب المفتاح.. كانت بيده زجاجة الشراب ملفوفة في جريدة قديمة.. دخل يتمايل ولا يكاد يبصر أمامه.. إلى ان وصل الى الاريكة وسط البهو .. ثم القى عليها بكل جسده في استهتار  .ترامت اليها أصوات بكاء من غرفة مجاورة.. رأته يتفرس في زوجته شزرًا قائلًا:   

- ماذا بها ثانية ؟ ألا يمكن أن أدخل البيت دون أن تستقبلني ابنتك بالسيمفونية المعتادة؟ 

- أسنانها تقض مضجعها منذ يومين، ثم إنك لم تترك لي نقودًا لآخذها الى الطبيب     !

- ولماذا أترك لك نقودا؟ ألا يكفيك ما تطفحين وإياها من مصاريف ترهقني..  

حزَّ في نفسها أنها عاجزة عن مساعدة هذه الطفلة الحبيبة الى قلبها، كانتا تتلاعبان من حين لأخر حينما يتاح الصفاء، ازداد صراخ الطفلة الصغيرة واخذ يحتد، ثم خمد ترامت الى سمعها صرخة مدوية مزقت صمت الليل.. خرجت مسرعة، صادفها شبح رجل جاث على قدميه.. واصلت الركوض الى غرفة الطفلة.. خيل إليها انها نائمة.. بركة حمراء تتسع حول رأسها الصغير وخلف رقبتها .. ودبُها الحبيب مستلقٍ إلى جوارها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق