السبت، 13 يوليو 2024

إلى عشاق مدينة اللاذقية للدكتور محمد يوسف سويدان

 إلى عشاق مدينة اللاذقية

                   *     *     *

        قصة حب رومانسية بعنوان

       '' الكازينو  يستضيف أوبريت    

     '' آنا كارنينا '' لتشايكوفسكي ''

              ........................

      يزدحم شاطئ اللاذقية في فصل الصيف بالوافدين للأستجمام من المحافظات الأخرى ، خاصة من مدينة دمشق . هذا الشاطئ القديم الذي أتحدث عنه منذ سنين خلت . حفرت الذكريات على رماله قصة حب لاتنسى . 

لا ازال أتذكرها حتى هذه الأيام وانا في خريف العمر . كان ذلك الشاطئ  جميلا جدا  . اينما قادتك قدماك تجد  على ضفافه الأماكن السياحية الخلابة  ،  مطعم فينيسيا ، مقهى شناتا ، اسبيرو ،  العصافيري ، '' الكازينو ''

 أحيت فيه أم كلثوم حفلا ساهرا ''  أغنية أطلال ''  . متحف اللاذقية ، حديقة البطرني ،

سميت باسم شيخ البحارة ابو علي البطرني

تكريما له من الملك الظاهر بيبرس .

 نادي الضباط ، شيد في عهد الرئيس

جمال عبد الناصر .  وغيرها من الأماكن السياحية الخلابة .  علاوة على ذلك ، عشرات  الأكشاك المزينة بالازهار والورود ، تجدها على طول الطريق ،  تبيع الورود والهدايا التذكارية وادوات السباحة والصيد في البحر . . .

       كما كان المشوار جميلا   عند غروب الشمس على الكورنيش البحري الذي يمتد مسافات نائية يحتاج المرء إلى ركوب السيارة حتى يصل إلى مرفأ الصيد والنزهة  ، المدينة الرياضية ، الشاطئ الأزرق ، فندق المريديان ''خمس نجوم'' ، ورأس  ابن هاني . 

       المنزل الذي اسكنه قريبا جدا من  الكورنيش . البحر صديقي ،  وجاري الذي لاأفارقه . كان حلمي منذ الطفولة وشغفي في الحياة . احلم ان اركب البحر في رحلات استكشافية ، معتقدا نفسي كريستوف كولومبس ، ماجلان أو ابن ماجد الملاح العربي الشهير في رحلته لاستكشاف رأس الرجاء الصالح .

     اعتدت كل يوم أن أذهب مشواري الجميل على الكورنيش البحري مع صديق لي أو صديقين من الأصدقاء المقربين  . كانت طيور النورس تحلق فوق البحر في سماء الصيف الزرقاء  .  تغطس سابحة في المياه ، تحمل 

الى أعشاشها الأسماك الصغيرة . كانت الغيوم

 بيضاء رقيقة تحجب أشعة الشمس الحارة . 

     الكورنيش مزدحم جدا عندما ياتي المساء وتقترب الشمس من الغروب .  هناك يلتقي الناس من مختلف الأعمار  الصبايا بالعشرات يبتسمون لك .  يقفون مع الشباب عند بائع الورود  يحملن وردة حمراء ، زنبقة بيضاء ،

أو توليب متعدد الألوان ، يقدمها الشباب لهن  ، للتعبير عن الحب ، أو سهام العيون الساحرة .

 يتجهون إلى بائع البوظة ، العرانيس ، الفول

 السوداني ، الكعك بالسمسم أو البوشار  . كم كنت أتمنى لو كان عندي صديقة تشاركني هذا المشوار الساحر الجميل على شاطئ البحر . لكن للأسف لم يتحقق هذا الحلم . كنت  لم أزل مستجدا في الحب ومعرفة اسرار قلوب النساء  . غير اني لم  أياس . كنت اصلي كثيرا من أجل تحقيق ذلك الحلم البعيد المنال . . .

      الاجانب من فرنسا وإيطاليا او قبرص

واليونان وتركيا والبلدان العربية .  يشاركون السوريين بفرحة لا حدود لها  خلال هذا

المشوار الطويل على الكورنيش البحري .

        لم يطل بي المقام على بقائي وحيدا بدون  فتاة الأحلام  . حلمت ذات يوم ، أن الشاعر '' دانتي '' أثناء رحلته في '' الكوميديا الإلهية ''  إلى السماء مع حبيبته '' بياتريس ''  ناداني كي اصحبه في تلك الرحلة واجلب معي تلك الفتاة الحسناء التي تنتظرني على

الشاطئ  . صدقت الشاعر '' دانتي '' . تصورت  ان هناك فتاة جميلة ، تستلقي كحورية البحر على رمال الشاطئ ، تحت ضوء القمر   ،  تشير أن آتي إليها ، ومن حولها الوصيفات . يقلن  ، 

 هذه حورية البحر ،  خذها صديقة لك جاءت إليك من بحار بعيدة  ، أنها حلمك الموعود . 

        أخذتني الدهشة للوهلة الأولى . طار صوابي ، سارعت إلى الكورنيش . آمنت أن السماء استجابت لصلاتي  . هناك في تلك 

  الأمسية التقيت بفتاة جميلة شابة في ريعان الصبا . رايتها  تمشي على رصيف الكورنيش 

برفقة  صديقتان لها . مجرد أن لمحتني ابتسمت لي برقة وسحر وخيال . أخذت 

 أتابعها بلهفة وشوق  وهي تمشي على الكورنيش حتى انتهى بها المشوار إلى نادي الضباط . ودعت  رفيقاتها ودخلت النادي .  .  .

         على الرغم  اني تخرجت حديثا من الكلية لبحرية ، كنت أخشى الدخول إلى النادى مثلي كمثل  الضباط الخريجون الجدد . نتحاشى الدخول إلى النادي  كي لانلتقي  الضباط الكبار . نقف باستعداد ، نقدم التحية ونقول احترامي سيدي . وينفجر على إثرها من الضحك ،  البنات اللواتي يجلسن  حولنا . 

       على كل الأحوال ، اطمأن قلبي لاني حتما ساعتاد الدخول إلى النادى والتقي بها مهما 

 كلف الثمن .  استمر اللقاء من بعيد على الكورنيش . كانت دائما تبتسم لي ، أنها جريئة 

أكثر مني . انا الذي لم أعرف فتاة من قبل بهذا الجمال والسحر  .    

      ذات يوم جاءتني الشجاعة  اقتربت جدا منها ، بادرتها  السلام وعرفتها على نفسي ،

 اسمي فارس . ابتسمت  بحرارة . قالت سعيدة بهذا اللقاء   . اسمي''  آنا ''  ،  لأن الماما 

قرأت قصة آنا كارنينا واحبتها فسمتني آنا  ، وانا سعيدة بهذه التسمية .  قلت وانا مثلك  

اكثر سعادة . احب آنا كارنينا لأنها تشبهك كثيرا ، لون عيناها مثل لون البحر  والسماء ، بين الأزرق والأخضر  . اذا نظر المرء إليهما '' اعني انت '' وقع أرضا مغشيا عليه ، انفجرت من الضحك هي وزميلاتها  . قالت مازحة 

ياساتر ، دير بالك من العين  . قلت خلص المرة  القادمة سأجلب خرزة زرقاء وأعلقها على

صدرك لكي لايصيبك احد بالعين  . . . 

    كنا جانب بائع العرانيس . دعوتها وصديقتها لتناول العرانيس المشوية . ابتسمت

ابتسامة ساحرة ، قالت أكلة طيبة انا بحب

العرانيس . بعد  ذلك اليوم تكرر اللقاء أكثر من مرة  ، وازداد التعارف والإعجاب لدرجة انها نقلت  الأخبار لوالدتها وكل من تعرف  .  قالت ذات مرة ، وأشارت بيدها ، انظري ماما هذا هو الشاب الذي حدثتك  عنه ،  يمشي هناك مع  رفيقه يرتدي القميص الأبيض  .  .  .

         هكذا صرنا أصدقاء ، نمشي معا على الكورنيش ، تمتلئ قلوبنا بالفرح والسعادة نشعر كأننا ملكنا الدنيا وما فيها  . التقينا من جديد . هذه المرة في صالة النادي . كانت 

تجلس  مع والدتها  وشقيقتها طبيبة عيون  . سارعت إلى لقائي ، شدتني من يدي . قالت تعال معي لاعرفك على الماما . جرى  التعارف وترحيب والدتها وشقيقتها بهذا اللقاء  ونحن 

نتناول  القهوة . انها طالبة جامعية تدرس الأدب الإنكليزي . من الشام ساحة النجمة . والدها ضابط كبير في قيادة الجيش  ،  شقيقها من أشهر أطباء دمشق ، طبيب جراح 

قلبية مختص  في بريطانيا . أتحفظ على ذكر  الأسماء وفاء لحبيبتي الغالية آنا . 

      في اليوم  التالي التقينا من جديد على الكورنيش ، كانت فتاة أحلامي فرحة  تلك الأمسية ترتدي بنطالا من الجينز وبلوزة بنفسجية .  الابتسامة لا تغادر وجهها أبدا  . أرسلت شعرها الكستناوي على كتفيها وخصلاته الناعمة  تتطاير مع  هبات النسيم ، تضوع منها ازكى العطور وعبق الياسمين .

         في نهاية المشوار . قلت  انا عازمك على صحن تبولة  في مطعم فينيسيا بجانب البحر ، الذي يعزف دائما الموسيقى الكلاسيكية ، اليوم سيتم عزف موسيقا الدانوب الأزرق . ضحكت وقالت مازحة '' مبين عليك كريم  كتير وبتحب الموسيقى . منيح الله مابلاني بشي واحد  

بخيل مين كان بدو يعزمني على التبولة ؟ .  

       أخذنا مكاننا في الشرفة المطلة على مياه البحر ، في مطعم فينيسيا  الفاخر الذي تصدح فيه موسيقا الدانوب الأزرق للموسيقار  

'' شتراوس '' يؤم المطعم  الاجانب  والقباطنة والعائلات العريقة في اللاذقية  .  جلسنا على ضوء الشموع ،  أتأمل  براءة وجهها الطفولي وظلال الضوء الخافت تضفي عليه مسحة من الرومانسية .

          كانت تشبه  الأميرات اللواتي نشاهدهن في الأفلام الكلاسيكية . أتخيل أنني أمام نجمة مشهورة من نجمات هوليوود . أيام   اليزابث تايلور وروك هدسون . اخذ الناس ينظرون إليها بدهشة وهي غارقة بالضحك وانا اروي لها نكته . 

       أن شابا ذات يوم ، قرأ لافتة أمام أحد المطاعم تقول من يجد ذبابة في هذا المطعم

يحصل على وجبة مجانية . دخل شاب  وأخذ معه ذبابة .  بعد تناول الوجبة جاء الجرسون بالفاتورة . غير أن الشاب أظهر له الذبابة فأعفي من دفع الحساب . قال له شاب آخر 

يجلس بجواره ، يرحم ابوك ، بعد ما تخلص من هل الدبانة اعطيني إياها .  

     بعد أن هدأت من فورة  الضحك . قلت لها ، طيب احكي لي انت نكته . قالت لعيونك

  ياوحش . كما تعلم يوجد في مصر نهر النيل وفي لبنان نهر الكلب  . واحد مصري جاء إلى لبنان . استقبله واحد لبناني وأراد أن يرحب به ، ويعمل عليه شطارة ، قال له اهلا وسهلا  يا ابن النيل . قال المصري اهلا بيك يابن 

الكلب . ضحكنا كثيرا وقلت لها حلوة  جدا . 

     الصبايا والشباب يرقصون '' سلو '' على أنغام الموسيقى الكلاسيكية الناعمة ، التي يتردد صداها مع  نسمات البحر الرقيقة . قلت لها اتسمحيلي  برقصة . ابتسمت وقالت ياريت

 يا قلبي .  نهضت بقامتها الهيفاء ممسكة

بذراعي .  عندما أصبحنا في ساحة الرقص 

أمسكت  بيدي اليسرى يدها اليمنى الناعمة رفعتها برفق إلى الأعلى ويدي اليمنى طوقت  

خصرها . شعرت  بحرارة أنفاسها وصدرها الدافئ وانا اقترب منها أكثر فأكثر . كانت كالحمامة تكاد تغفو على صدري  وانا أهمس لها أجمل كلمات الحب لنزار قباني  ، غناها أغلب المطربون . 

       '' يسكن الشعر في حدائق عينيك       

  فلولا عيناك لا شعر يكتب .

 منذ احببتك الشموس استدارت

 والسموات .. صرن انقى  وارحب .

 منذ احببتك .. البحار جميعا

 اصبحت من مياه عينيك تشرب .

 أتمنى  .. لو كنت بؤبؤ عيني

 أتراني طلبت ما ليس يطلب ؟

 أنت أحلى خرافة في حياتي

 والذي يتبع الخرافات يتعب '' .

     عدنا إلى مقاعدنا كاننا عائدون من

الكواكب والنجوم وارض القمر . طلبنا الشاي وأخذنا  نتجاذب اطراف الحديث . اتضح لي أنها فتاة مثقفة جدا . تقول أنها قرأت معظم الكتب الموجودة في مكتبة المركز الثقافي العربي في دمشق في نهاية شارع أبي رمانة وشاركت النشاطات المتعددة التي يجريها  

المركز أسبوعيا .  .  .

        أنها تدرس الأدب الانكليزي عن محبة وهواية  لا حدود لها . خاصة أن شكسبير هو الكاتب المسرحي والشاعر المفضل لديها . قرأت  مجلدا يتضمن كافة مسرحياته ملخصة في لغة انكليزية مبسطة جدا . أثار  إعجابها ، أغلب  المسرحيات التي قرأتها لانها تعتمد

 على التحليل  النفسي للصراع الذي يدور في أعماق  النفس البشرية وينعكس على  سلوك وتصرفات الشخصيات التي يصورها لنا شكسبير  .

       مثلا  الأمير Hamlet  هاملت امير الدنمارك يعاني من عقدة نقص في شخصيته وهي التردد في اتخاذ القرار . مما حال دون الثأر من عمه الذي قتل ابيه وتزوج امه . 

 بينما عطيل Othello ، تمزقه الغيرة العمياء التي تدفعه لقتل زوجته البريئة '' ديدمونة '' .

    أما في مسرحية مكبث Macbeth

 هذا الرجل يستسلم لطموحه الشرير لضعف  شخصيته فيفقد إنسانيته عندما اقدم على قتل الملك '' دنكن '' ملك اسكتلندا بتشجيع من زوجته الشريرة الليدي ماكبث  .  

       في مسرحية تاجر البندقية 

                 Merchant of Venice 

تعبر عن إعجابها بدور المحامية '' بورشيا ''  أنقذت أنطونيو من الموت المحتم  على يد

 المرابي  اليهودي '' شايلوك '' حينما قالت له في المحكمة  ، تستطيع أن تقطتع رطلا من اللحم من جسم أنطونيو لكن بدون أن تهدر نقطة دم واحدة من جسده  .  .  .

     علاوة على ذلك ، هذه الفتاة تمتلك الحرية

الفكرية والوعي السياسي الناضج بعد أن قرأت الكثير من كتب الفيلسوف العربي ابن رشد الذي أسس المدرسة الأرسطورشدية   . تقول

أن البلدان العربية تحكمها أنظمة استبدادية بعيدة عن الحرية والديموقراطية . غير قابلة    

للتطور .  هي السبب الرئيس في تخلف  

العرب عن باقي  شعوب العالم  . ولا بد أن يأتي يوم في المستقبل تثور فيه الشعوب وتسقط هذه الانظمة وترفع في  النهاية علم  

الحرية والتقدم  . كنت أشعر بسعادة عارمة

وفرحا لا يوصف  . وقد تناهى إلى مسامعي تلك الكلمات التي تعبر عنها هذه الفتاة  الساحرة الجمال والذكاء . 

       في نهاية  الحوار الأدبي  عن شكسبير  أمسكت يديها وقبلتهما . تجرأت وقلت لها مازحا ، ألا يوجد شيئا عندك  اقبله غير يديك ،   

ابتسمت بمرح وغنج ، فتحت حقيبتها اليدوية قالت حظك كويس .  هذه ''  صورة ستي '' خذها وقبل فيها ما تشاء . وقد فار عليها الضحك كعادتها  لدرجة انها لفتت الأنظار  ، وجاءت النادلة مسرعة  إلى طاولتنا ، سألتنا اذا كنا  نريد شيئا . قلت لها شكرا ، الآنسة تضحك بسبب نادرة سمعتها . 

       اخيرا همست باذني قائلة لا تزعل بدي روح ، ساعوضها لك . لكن  اصح تقول لحدا . عازمتك غدا الساعة السادسة صباحا . على الفطور  والسباحة على شط البحر . الآن  ذاهبة سوف تتفقدني الماما ، قلت لها اني ساسهر معك الليلة ، وعدتها أن  لا أتأخر . شكرا على التبولة '' ورقصة  السلو  ''  . . .

      نادي الضباط يبعد خطوات ليست بعيدة عن مطعم فينيسيا . أخذت بيدها كأنها طفلة صغيرة . أوصلتها بأمان إلى مدخل 

حديقة النادي الأمامية راجيا لها ليلة هانئة  . لم  أصدق أنه قد أصبح عندي صديقة بهذا الجمال والثقافة الرفيعة . شعرت   كأن صار لي أجنحة أطير بها فرحا إلى آفاق السماء البعيدة  .  .  .

       في صباح اليوم التالي الساعة السادسة ،  تناولنا طعام الافطار  في النادي ، ساندويش جبنة ومربى المشمش وكاسا من الشاي . اتجهنا إلى شاطئ البحر . النساء  الروسيات الجميلات  زوجات الخبراء الروس المقيمات في النادي كن السباقات في السباحة وأخذ حمامات الشمس على رمال الشاطئ الناعمة . . .

        مضينا  سويا  إلى البحر ممسكا 

بيدها كاني أخاف أن تضيع مني  . بدأنا نتسابق في السباحة  حتى وصلنا إلى الخط الاحمر .  أصبحنا على انفراد ،  غطسنا تحت المياه . أخذنا نسبح بحرية كالأسماك تحت مياه البحر . كانت فرصة العمر الوحيدة التي سنحت لي . ملأت حياتي بالورود . تركت انطباعا في ذاكرتي لم أعد أنساه مدى الحياة .

     عدنا إلى الشاطئ ، استلقينا على الرمال الناعمة من أجل حمام الشمس وضعت واقي الشمس على جسمها  الناعم . قربت لها  المظلة  حتى تخفف من حرارة الشمس . استلقيت جانبها ، واضعا زندي تحت رأسها ، نستمع إلى موسيقا مونامور الهادئة من المسجلة الصغيرة التي معها .    

       أصبحت الساعة الحادية عشر ، غادرنا البحر . ودعتها بحرارةراجيا أن تقضي نهارا جميلا . شدتني بيدي ، قالت بحياتي عندك  لا تروح ، عازمتك على الغدا ، سمك سلطان  ابراهيم ، لاتروحو من ايدك . قلت صحة على قلبك  ، خلص المرة الجاية . بس اذا فيكي بكرا  جيبيلي معك  شي سمكة من ايدك. الحلوة غشيت من الضحك قالت  تسلم لقلبي رح جيبلك ، غالي والطلب رخيص ، من لي غيرك ؟ 

    في اليوم التالي ، التقينا عند غروب  

الشمس  . قلت لها عازمك على اطيب  كاسة بوظة عند محلات جعارة وسط المدينة . امسكت يدها ومضينا سيرا على الأقدام . اجتزنا كورنيش البحر  باتجاه  ساحة الشيخ ضاهر  .

        بعدها  دخلنا  شارع هنانو ثم توقفنا 

عند محلات جعارة . اشترينا البوظة ومضينا نتناولها ونحن نتمشي في الشارع الجميل . تنتشر فيه المحلات التجارية والفنادق السياحية على الجانبين . صرت أنا الدليل السياحي أشرح لها  كل ما يجري في هذا الشارع من النشاط السياحي  والتجاري  . 

        عندما وصلنا إلى ساحة نقطة البوليس نهاية شارع هنانو . توقفنا في بداية شارع  البحر للاستراحة في الكافتريا . تقع على  

الزاوية اليمنى للشارع . تناولنا النسكافيه  ، 

 لم نلبث حتى تابعنا طريقنا باتجاه كورنيش 

البحر . توقفنا مرة أخرى ،  على الجانب الأيمن في منتصف الطريق في مدخل محلات النحاس . اشتريت لها عدة أنواع  من الشوكلات التي تحبها ، وقالبا من '' الجزرية '' . قلت هذا من شان الماما . هي نوع من الحلوى تشتهر بها مدينة اللاذقية ،  لا يجاريها احد  في  المدن السورية الأخرى .    

     ودعتها ، قبلت يديها . نظرت الي نظرة مليئة بالرقة والدلع . غابت عن عيوني في أروقة النادي المترامي الأطراف . كم كنت 

اتمنى  أن اقبلها تلك الليلة تحت ظل الأشجار  والأضواء الخافتة ، كان المكان خاليا  من 

 الناس ومساكب الورود تضوع  بشذاها العطر . لكني كنت جبانا ،  ضاعت الفرصة 

الجميلة من يدي . . .

      التقينا في اليوم التالي كالعادة على الكورنيش . بدت هناك في الشارع حركة غير عادية . عددا من الشباب يضعون ملصقات على الجدران ، قرأنا إحداها تقول : إن

 '' الكازينو '' في مدينة اللاذقية يستضيف الفرقة الروسية المتنقلة لدار اوبرا الميرنسكي

في لينينغراد . لتقوم   بعرض '' أوبريت آنا 

كارنينا '' في فندق  الكازينو .

       قلت لها انها أخبار تشرح القلب . سوف نستمتع كثيرا برؤية هذا العرض ، خاصة أنه يحمل اسمك . دعينا نذهب  إلى مطعم فينيسيا لنتحدث هناك عن أوبريت آنا كارنينا ذات الشهرة العالمية التي تعرض في كل البلدان  . جلسنا في المكان المفضل لدينا ،  الشرفة المطلة على البحر . طلبنا القهوة .

 بادرتني بالسؤال اذا كنت قرأت تلك الرواية 

الجميلة الخالدة للكاتب الروسي العظيم تولستوي ؟ قلت بلى حبيبتي قرأتها . سأحدثك عنها بإيجاز  . . .

     تتحدث الرواية عن فتاة روسية جميلة جدًّا مثلك ، تُدعى آنا كارنينا متزوجة من مسؤول كبير  اسمه كارنين . تبدأ الرواية بزيارة آنا إلى بيت أخيها حتى تُصلح بينه وبين زوجته .  في رحلتها بالقطار  تلتقي بضابط يدعى فرونسكي . . .

      يوقعها في حبائله وتميل إليه فورًا . بعد عودتها إلى منزلها في بطرسبورج ، تتعقد حياتها الزوجية ، لأن خيال فرونسكي لم يعد  يفارقها ، شعرت أنها وقعت في حبه وأصبح  كل حياتها، ويخبرها أنَّه يريد الزواج منها إذا تطلقت من زوجها. .

       شاعت قصة آنا وفرونسكي في المدينة، وكان فرونسكي آنذاك على وشك المشاركة في سباق للخيل ، فزارها وأخبرته أنها حامل منه بطريقة غير شرعية طبعًا .  شاهدت هي وزوجها السباق لكن بشكل منفصل ، فسقط فرونسكي عن الحصان لكنه لم يصب بأذى . . .

     بدأت أسرة زوجها تعيش في حالة قلق   وتوتر . يقرر كارنين أن يُجبِر آنا على قطع علاقتها بعشيقها حتى يحفظ سمعته ، لكنَّها 

استمرت بلقائه . عندما تلد ، توشك على الموت ، فيغفر زوجها لها ولفرونسكي ، فتقرر أنَّها لن تستطيع ترك زوجها بعد نبله وكرمه  .     

        يعود فرونسكي محطمًا ، يحاول الانتحار، فتصيب رصاصةٌ قلبه، ولكنَّه ينجو بمساعدة أخته .  لكن بعد أن تتعافى آنا تعود لكراهية زوجها وتطلب منه متابعة إجراءات الطلاق ، فيعود إليها فرونسكي بعد أن يتخلى عن مهامه العسكرية .

       تقرر آنا الذهاب مع فرونسكي إلى ايطاليا  حيثُ يهتمُّ هناك بالرسم ، لكنَّه سرعان ما يشعر أنَّ  علاقته بآنا تعيقه عن طموحه وأحلامه  . فيتغير تجاه آنا . وتشك هي بإخلاصه لها بعد أن لاحظت فتوره . يعودان إلى بطرسبورغ . تحاول آنا أن تفتح قلبها أكثر  لفرونسكي ، لكنَّها تشعر بخيبة الأمل بازدياد فتوره وازدياد الشرخ في علاقتهما  . 

      يطغى شعور التعاسة على آنا وقد أدمنت المورفين، وتزداد شجاراتها مع فرونسكي ويقضي أوقات أطول خارج المنزل ، وتسقط في وحشة كبيرة عندما تتيقن أنَّها باتت تكره فرونسكي وهو صار يبتعد عنها  ، فتخرج من البيت والفزع والبغض لجميع الناس يعمي بصيرتها ،  وتستشعر مدى حقارة العالم حولها ، فتذهب إلى محطة القطار التي التقت فيها فرونسكي ثمَّ تلقي بنفسها على السكة بانتظار القطار القادم  . 

     كانت حبيبتي تستمع بهدوء وهي تشرب الشاي . علقت على الرواية قائلة . أن زواج

آنا من '' كارنين ''  لم يكن مبنيا على الحب ، إنما على المظاهر الزائفة  للمجتمع الاستقراطي الروسي ، لذا انتهى إلى الفشل .

    أما  الدافع وراء حب آنا لفرونسكي هو   الحرمان من  عاطفة الحب الغير موجودة أصلا  في الطبقات الاستقراطية التي تهتم بالمال والسلطة ، ولا تقيم وزنا للمشاعر  الإنسانية . عندما تعرفت على فرونسكي بالقطار واظهر لها لمسات الحنان ومشاعر الحب الرقيقة  .

       انفجر الكبت الموجود في داخلها مرة 

مرة واحدة رأت في صورة فرونسكي الجميلة

كل ماكنت تصبو إليه من الحرمان العاطفي الذي تراكم مع الزمن . وجدت نفسها مندفعة في حبه ولم يعد بوسعها السيطرة على مشاعرها .

      فارتكبت الخيانة الزوجية  ، وأنجبت طفلا بالحرام  . مما زاد من شقائها وعذابها في هذه 

الدنيا .  خاصة بعد أن تبين لها أن فرونسكي 

 زير نساء يبحث عن ملذاته وليس عن الحب .

تلك الصورة المثلى. الموجودة فقط في خيال آنا كارنينا  .

      تراكمت كل هذه الأحداث القاسية 

في حياتها  ولم تجد طريقة  تستطيع  بها ان تطهر نفسها من الآثام التي  ارتكبتها بحق نفسها وحق المجتمع إلا أن تلقي بنفسها تحت عجلات القطار .

       قلت لها انها رواية عظيمة ،  مأساة مؤلمة جدا . بدت آنا '' بطل تراجيدي '' كابطال شكسبير يسقطون في النهاية مضرجين 

بالدماء ضحية الشر الذي يكمن في نفوس 

الطبقة الاستقراطية وأخلاقها الزائفة  . 

       مضت السهرة الممتعة على أنغام موسيقا الدانوب الأزرق مع حبيبتي الجميلة آنا . لم نشعر كيف مر الوقت . كأنه طرفة عين أو نسمة عطرة من نسمات البحر الرقيقة . ودعتها على باب النادي هائما بجمالها وسحر عينيها ، تحت سماء الليل المليئة بالنجوم وأضواء القمر الساحرة  . 

        في امسية اليوم التالي ، كان من الصعب على المرء أن يشق طريقه وسط كورنيش 

البحر المزدحم بالصبايا والشباب الذين

يتوجهون زرافات ووحدانا إلى فندق الكازينو

لحضور العرض الساهر لأوبريت '' آنا كارنينا ''

للموسيقار الروسي الشهير '' تشايكوفسكي ''  

ورواية تولستوي الكاتب الروسي  العظيم .       أخذنا  وحبيبتي  أماكننا  في الصفوف الأولى من المسرح . جلسنا متشابكي الأيدي . كانت

باقات الورود تتدفق على فريق  الأوركسترا ، تعلق على صدورهم الشعارات التذكارية لمدينة أوغاريت الأثرية .  أما أنا علقت عقدا من حبات اللولو الساحرة في جيد حبيبتي ، اصطدته بنفسي من أعماق البحر  .  استقبل الجمهور الفرقة الموسيقية بالتصفيق .

        جاءت فتاتان صغيرتان بعمر 

الورود . قدمتا '' درع مدينة أوغاريت''

لقائد الأوركسترا  . حينذاك وزع على 

الحضور كتيب باللغة الروسية والعربية والإنكليزية يتضمن وصفا كاملا وشرحا وافيا بالرسوم وتحتها التوضيح  بالكلمات عن المشاهد التي سيتم عرضها في الأوبريت  .   

        تحت أضواء قوس قزح الخافتة 

بدأ العرض بالفصل  الأول ، act one المشهد  الأول scene one بإطلالة آنا كارنينا بحركات رشيقة  على خشبة المسرح ، تأسر القلوب من حولها بأناقتها ، إلى أن يطلبها الضابط فرونسكي للرقص ، وعلى الفور تبدأ شرارة الحب بينهما ،  بوهج رومانسي ، تجتذب أنظار من حولهما في الحفل .  .  .

      تبدأ آنا في الابتعاد عنه خشية أن 

تقع في غرامه . تغادر سريعاً هاربة إلى عاصفة ثلجية . يبدأ المشهد الثاني  . حيث تصعد آنا إلى القطار محاولة قراءة رواية بين يديها ، لكن عقلها يشرد مع فرونسكي وإذا به يصعد منتظراً القطار ، تحاول آنا الهروب منه ، فهي تعرف أن قصة حبهما لن تكتب لها النهاية السعيدة .

       في المشهد  الثالث ، تغادر آنا القطار ، لتجد زوجها وابنها في انتظارها ، يجبرها زوجها كارنين على تأبط ذراعه ، وكأنه يجرها خلفه لتنقاد وراءه  . في وداعة  تنساق آنا وتعلو وجهها علامات اللامبالاة .  لكنها في الوقت ذاته تشعر بنفور من طريقة معاملة زوجها وعدم اكتراثه لها .

        نتعرف في المشهد الرابع على جوانب أخرى من شخصية زوج آنا ، حيث يقبل بتودد إحدى الصديقات له ، في وجود آنا وابنهما ، تتجاهلهما آنا ، وتنصرف للاهتمام بابنها ، تشجعه على تقديم أنشودة روسية تقليدية ، ثم تصطحبه المربية خارج الغرفة .

        في المشهد الخامس . يلتقي كارنين بفرونسكي في حفل شاي للطبقة العليا من المجتمع ، ويلحظ كارنين فرحة كل من فرونسكي وآنا باللقاء ، لا يتمكن من السيطرة على غضبه ، فتطلب منه آنا الانصراف على الفور ، بحركات تعبيرية بأيديها وقفزات تعبر عن رغبة في التحرر والانطلاق . . . 

        المشهد السادس  يروي بالرقص الجدال بين كارنين وزوجته وغضبه منها  ، وإحراجها له أمام الناس دون كلمات  . تبدأ الراقصة في التعبير عن حالة آنا التي تواري حقيقة حبها . في الوقت نفسه تشعر بالوجل من البوح والاعتراف وتحاول نفي الشكوك حولها  . . .

      يبدأ التصاعد الدرامي للأحداث إذ تتجادل آنا مع فرونسكي معبرة عن صراعها المرير بحركات باليه معاصرة أكثر تعقيداً ، ويحاول فرونسكي أن يهدئ من روعها ، لكنها تواجهه برغبتها بقطع علاقتها به . نجد فرونسكي يؤدي الرقصات بحركات دائرية رشيقة ، ليقنعها بالاستماع لقلبها والعزوف عن قرارها، فتستسلم للحب  .  .  .

       يبدأ الفصل الثاني من الباليه بمشهد سباق الخيل . حيث يسقط فرونسكي من على حصانه ، لتصدر من آنا شهقة عالية تكشف مشاعرها حياله، يغضب زوجها كارنين، فيجرها بعنف للرحيل للمنزل، لكنها تنهار وتعترف له بحبها لفرونسكي، في مشهد تمثيلي مؤثر، ويمنعها كارنين من رؤية ابنها  .  .  .

        تغادر آنا لتذهب إلى فرونسكي الذي يواسيها ويشفق عليها ، يحاول تخفيف معاناتها ظناً منه أن حبه لها قد ينسيها عاطفتها تجاه ابنها ، وتجسد الحركات الراقصة الناعمة والخشنة هنا الاضطرابات التي تحيط بحياتهما وتهدد حبهما  .  .  .

       بعد لحظات نشهد ببراعة غرفة الطفل في روسيا ، وغرفة آنا وفرونسكي في إيطاليا ، حيث يلهو الابن بقطار في حزن شديد  مفتقداً أمه ، بينما تحاول آنا الانغماس في قصة حبها لفرونسكي ، لكن قلبها وعقلها مع ابنها  . . .

      تقرر آنا في المشهد التالي الهروب لرؤية ابنها سراً دون علم زوجها ، وتلتقي بالفعل بالابن ، وتجلس لتلهو معه ، إلا أن مجيء كارنين يجعلها تفر قبل أن يراها ، تعود آنا بحزن يثقل كاهلها ، تحاول الانغماس مرة أخرى في حياتها الجديدة مع فرونسكي .    

       الذي يبدأ في الانشغال عنها ، ويقدم رقصة تتضمن سقطات على الأرض والترنح ، تعبر عن انغماسه في معاقرة الخمر والابتعاد 

عن آنا . في حفل كبير بدار الأوبرا ، تتعرض 

آنا للاحتقار من قبل الرجال والنساء ، وتسقطها إحدى نساء الطبقات العليا على الأرض بطريقة مذلة  .  .  .

      تعود آنا مهرولة للمنزل، يلحق بها فرونسكي، وإذا به يجدها تهاجمه باتهامات قاسية ، تقدم آنا رقصات عنيفة تجسد حالة الشجار ، تتضافر مع إيقاعات الموسيقى السيموفونية العالية  ، فتؤجج انفعال المتلقين بالمشاعر المتضاربة لآنا وحالتها النفسية المحطمة .  .  .

     في المشهد العاشر، يأخذنا الديكور لأجواء درامية كئيبة وضبابية، حيث تعايش آنا حالة الإحباط وتفكر في الموت ، برقصات تعبر عن حالة الوهن والذبول التي وصلت إليها . تتردد في الانتحار بشرب الدواء المخدر ، لكنها تتناوله ليعم المسرح ظلام حالك . 

      في المشهد الأخير، تخرج آنا إلى محطة القطار لنستمتع برقصة جماعية للمسافرين في محطة قطار روسية عتيقة ، ووسط المسافرين يظهر فرونسكي ويقوم معهم بحركات جماعية تعكس نسيانه لها ، تحمل آنا حقيبة السفر ، لكنها حائرة ومتخبطة .     

      المسافرون الراقصون لا يرونها ، وكأنها نسياً منسياً ، تحاول آنا أن تلقي التحية في محاولة أخيرة لتستعيد حياتها ووجودها، لكنها تقابل بجمود من المسافرين ، تسير آنا متخبطة لنرى ضوءاً شديداً ، يصاحبه صوت عجلات القطار السريعة وصافرته ، ليسدل الستار على النهاية المأساوية لآنا . 

       هذه المشاهد الأخيرة المأساوية التي تمثل حياة آنا كارنينا ، وتجاهل الناس لها وانتحارها تحت عجلات القطار . جعلت الناس 

الذين حضروا  الأوبرا  يخرجون من المسرح وقد اغرورقت عيونهم بالدموع لقصة نادرة الوجود خلدها  الأدب العالمي  . كنت امسح دموع حبيبتي وانا أودعها تلك الليلة .

ونحن عائدون من حضور اجمل عرض اوبورالي عرفته مدينة  اللاذقية للموسيقا الكلاسيكية في العصر الحديث  .  .  .

       النهاية ،  لم أكن أتصور أن تنتهي قصة الحب التي عشتها بمثل هذه السرعة التي انتهت إليها  . ليس ما اكتب عنه نسجا من الخيال لكنها قصة حقيقية مؤثرة جدا عشتها وانا شابا في مقتبل العمر  من حياتي  .

 تلك الفتاة الجميلة التي أتت من دمشق برفقة أسرتها لقضاء إجازة  الصيف على شاطئ البحر في اللاذقية . لم نكن نعرف ماذا تختبئ  الاقدار لنا . بعد أن وقعنا في شباك الحب . كان قلبي ينبض بحبها في كل دقة من دقاته . 

     عندما انتهت  الإجازة وحان موعد

سفرها الى دمشق التقينا للوداع في مطعم فينيسيا . جلسنا بنفس مكاننا المعتاد على ضفة البحر . امسكت يديها وقبلتهما ، غير انها أحنت رأسها ووضعت  وجهها على كلتا يدينا ،

وأخذت تجهش بالبكاء . سحبت يدي اليمنى وأخذت  اداعب شعرها الذي غطى وجه الطاولة . ساد صمت حزين وانا احاول ان أهدئ من روعها  . سكبت كأسا من الماء وسقيتها بيدي ومسحت دموعها .  قلت لها 

لا تحزني حبيبتي ، سوف نلتقي قريبا في دمشق على ضفاف بردى ، تحت أشجار الصفصاف في الربوة الغناء .

عادت وابتسمت ، قالت '' تسلم لقلبي ''

الكلمة التي عودتني على سماعها واحب أن أسمعها كثيرا . تناولنا القهوة . ودعتها في باقة 

من الورود التي تحبها  . لم تشأ الأقدار أن 

نلتقي بعدها . ظلت حبيبتي '' آنا  '' ، البحر والسماء ، الشمس والقمر . ذكرى حميمة في قلبي للأبد ، يشوبها الكثير من الحزن  والضياع . ظلت رسائلها العزاء الوحيد لقلبي في هذه الدنيا القاسية  .  .  .

           .............................

     د . محمد يوسف سويدان 

          استاذ الأدب الانكليزي 

          مدير معهد اللغات الأجنبية 

          سوريا - طرطوس 

                          ١٠ / ٧ / ٢٠٢٤

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق