الخميس، 8 أغسطس 2024

ظلال البراءة تحت قمر الأحلام للدكتور مفلح شحادة شحادة

 ظلال البراءة تحت قمر الأحلام


تحت ضياء القمر العاكس كنوز السماء، هنالك، على حافة الزمان، تجلس طفلة صغيرة على سكة القطار الصدئة. تلك العيون الواسعة تحدق بعمق في الأفق، حيث القطار القادم يقطع السكون بأضوائه المتراقصة كنجوم مهاجرة. حولها يُشيد الليل قصراً من الصمت، ويبسط القمر المنير ثوبه الفضي على مشهد قد يبدو وحيدًا للعابر، ولكنه معمور بأرواح القصص التي تختبئ في طيات السكون.


لماذا تختار الطفلة الرقيقة هذا المكان الشاسع لاستقبال أحلامها؟ أهي تنتظر في لهفة اللقاء الأول بكل ما هو خارج حدود واقعها اليومي؟ تتنفس الطفلة الحكايات التي لم تُروَ بعد، وتنسج من خيالها رفيقًا يسافر عبر الزمان ليكون بجانبها. وفي كل ثانية تقترب، تزداد خفقة قلبها ارتقابًا لما ستُبدعه اللحظات القادمة من سحر.


هناك، في ضوء القمر الكامل، تجلس الطفلة كتمثال حيِّ للأمل، كأنها تستمد من الليل قوتها، ومن القطار القادم إيقاع قلبها. هي تبدو صغيرة في جسدها، لكن روحها تتسع لعوالم. وفي صمتها الوقور، تحمل ثقل حلم متفرّد لا يعرف للانتظار سوى اليقين.


تنظر الطفلة إلى القطار وكأنه سفينة الفضاء التي ستقلها إلى كواكب لم تُكتشف بعدُ في خارطة الطفولة. هذا القطار ليس وسيلة نقل بالنسبة لها، بل هو صندوق العجائب المتحرك، المحمَّل بالأسرار والمغامرات، وكل هديره يروي أغنية الحياة التي لا تتوقف عند محطة.


يتجاوز القطار فجأة، وتتمايل الطفلة مع إيقاعه العاصف. العالم حولها يتغير بسرعة البرق، لكنها ما زالت واثقة. ومع كل نبضة من عجلاته تترسخ قناعة في نفسها بأن كل قدوم هو إمكانية جديدة، وكل محطة قد تكون بداية لمعركة جديدة مع التنين أو العثور على صديق في بعد مجهول.


فما الذي يدور في خلدها وهي ترقب القطار والقمر؟ أهي جالسة لتتأمل جمال العالم كما لو كانت حاملاً لسر الوجود نفسه؟ أم أنها تنتظر مصيرها الذي كُتب على أجنحة الريح ووُضِع تحت سكة القطار، تحت ضوء النجم الأكثر سطوعاً في الأفق، ذاك القمر الذي يُضيء دربها ويعكس طهارة نواياها؟


لا شيء يبدو مؤكدًا سوى أن هذه الطفلة على هذه السكة تحمل في قلبها بوصلة الأحلام التي لا تُخطئ الطريق مهما اختل الزمان وتعرّج المكان. وهي بانتظارها، تُعلمنا أن لكل منا قطار أحلامه الخاص، الذي يقبل على محطاتنا بكل عزم ليكشف لنا سر الحياة، وأن لكل ليلة قمرها المضيء الذي يُبقي أمل الغد مُشرقًا في القلوب.


دكتور مفلح شحادة شحادة كاتب وشاعر المانيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق