الأحد، 18 أغسطس 2024

ظلال الفجر البعيد للكاتب والشاعر مفلح شحادة شحادة

 ظلالُ الفجر البعيد


على أرضٍ ممزقةٍ بنزق الحروب، تحت سقف السماء الرمادية، يمتدُّ جسدين صغيرين في صورةٍ تمزج الحزنَ بالبراءة. تمسّدهما الريح بلطف، كأنما تنقل إليهما همسات أمٍّ فقدوها، والطبيعة تلتحف بهما كأنها تفترش مساحةً للحنان وسط ذلك الخراب. الكبير يُغمض عينيه، محاولًا خلق عالمٍ من الأمان يحيط بأخيه الأصغر، الذي وجدَ في حضن ركبته مخدعًا يُذكره بالأمن. أجسادهم، أشبه ما تكون بنقاط النور الهادئ المتبقي في ليلة معتمة.


البقايا المتناثرة من وجبتهم المتواضعة، اختارت أن تشاركها مع ضيف هو الآخر نجا من الحرب، طائرٌ صغير سرق من اللقمة حكايةً ينقلها للسماء. بينهم وبينه، رابطُ عمرٍ يؤكد أن الكائنات في هذا العالم لا تزال تبحث عن لحظات السلام في أحضان أشد الظروف قسوة.


خلفهم، هياكل البيوت التي أصبحت تُشبه الأطلال. كل حجرٍ ساقطٍ يحمل ذكرى، كل زاوية مكسورة تختزن صدى ضحكة أو صرخة. 

ولكن، في سكون الليل وعمق المأساة، أظهر الطفلان درسًا شجيًا غنيًا بالتحدي. بطاقة حياةٍ عجز الدمار أن يسحقها، ونبض قوةٍ لم تخبو تحت أكوام الردم. إن الأملَ الذي يشع من وجهيهما في سباتهما، يروي قصة سمو الروح البشرية، حيث ينبوع الأمل يتفجر حتى من تحت الأنقاض.


يكمن السحر في تلك الصمتِ الحزين: فهناك، في هذا الهدوء الملئ بالمعاني، تجد روح الانسانية تتسامى فوق الآلام. هما، بنومهما المُفعم برسائل السلام، يعيدان رسم حدود العالم بلمساتٍ تتحدى قسوة الزمان.


هذه الخاطرة، ليست مجرد رثاء لأمل ضائع، بل ترنيمة لغد مشرق يشق طريقه من بين الأنقاض. تهمس للقلوب: الإنسانية لم تخبو بعد، وفي كل نبض حياة، هناك قصة بطولة تنتظر أن تُروى.


في قلب الدمار، الحب والأمل والجمال لم يهاجروا، بل هم معتصمون بأرواح الأبرياء، يُعلنون للعالم أن هناك دائمًا مستقبلاً يُولد من رحم المعاناة. وفي كل صباح جديد، تبزغ شمس الحقيقة والحياة، مُعلنةً أن الأطفال، بصمتهم العظيم، هم حماة النقاء ورعاة الفجر البعيد.


دكتور مفلح شحادة شحادة كاتب وشاعر المانيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق