الثلاثاء، 6 أغسطس 2024

خاطرة / وحدة الوجود في لوحة الحياة للدكتور مفلح شحادة شحادة

 خاطرة بعنوان : وحدة الوجود في لوحة الحياة


في رحاب طبيعة خُلِقت كأروع ما يكون التصوير، حيث الأشجار تمد ظلالها كأهداب العيون، والأنهار ترقص على أنغام الريح كأنها أوتار حياة تعزف سيمفونية الأزل، وقفَ حمار في عزة وصبر، واقفًا صامتاً كأنه فارس القصة الذي تحاك حوله الملاحم.


فوق ظهره، تربع كلب في وفاء، مرفوع الهامة يتأمل الأفق البعيد، يشعر وكأنه حارس المعبد الأول، يحمي رمز الصفاء والإخلاص. ليس بعيدًا، استلقى هرٌ هادئ البال، في إطمئنان، كأنه عنوان الذكاء والرشاقة، يتوج الكلب كإكليل ودٍ يحكي قصص العبقرية. 


وعلى القمة، يصحو الديك مُعلنًا قدوم الفجر، بصوته الذي يتعالى فوق أصوات الحياة الصاخبة، قائد أركان النهار الجديد، يخبر العالم أن الوقت ليس إلا فرصة لإعادة البدء، والشروع في يوم مثمر وعامر بالحب والعطاء.


كل كائن في هذا المشهد كان جزءاً من لغز الوجود، حمارٌ يحمل العالم على كاهله برباطة جأش، وكلب يمثل الوفاء دون منازع، وهر يحيل الرشاقة والمكرِ إلى مغامرة دائمة، وديك يحيل كل صباح إلى احتفال بدورة الحياة.


الطبيعة الخلابة حولهم كأم رؤوم تحضن أبناءها، هادئة مليئة بالأسرار، تعكس السكون والصخب في آنٍ واحد، تماماً كما تفعل الأرواح التي تمر في دهاليز الزمن. كل عنصر في هذه اللوحة يُرمز إلى مبادئ غارسة في روح البشر: الصبر، الوفاء، الدهاء، والنهضة.


يتألق المشهد بتلك الرموز كأنها رسائل مشفرة تنتظر من يفك طلاسمها، يفهم الدروس المستترة خلف البساطة الظاهرة. ربما لكل منا في هذه الدنيا دور يشبه هذه الكائنات، نحمل فوق ظهورنا أعباء الحياة، نحرس بوفاء معتقداتنا، نسعى بذكاء ودهاء لتحقيق أحلامنا، ونعلن ببهاء كل صباحَ بدايةَ فصلٍ جديد في قصتنا.


وفي نهاية المطاف، الحمار والكلب والهر والديك، يعلوهم همس الطبيعة الخلابة، يشاركونا صمتًا مُبهَمًا وسلامًا عميقًا، قصة يتخللها الوجع والأمل، قصة تقول لنا: كونوا معًا، فوحدتكم تغني أسطورة الحياة، وتصنع من مزيج أدواركم لحنًا لا يُنسى، لحنَ وجعٍ ووقار، وتفاءُلِ يُزهِر أملاً ندياً في قلوب قارئي الزمن.


دكتور مفلح شحادة شحادة كاتب وشاعر المانيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق