الأحد، 8 سبتمبر 2024

ظلال تحت المطر للشاعر د. مفلح شحادة شحادة

 عنوان الخاطرة: ظلال تحت المطر


في همس الفجر الناعم، حين تتلاعب الأضواء بعفوية على ألواح الرصيف المتواضع، ترقص الفتاة بخطواتها الواثقة عبر محطة القطار، تحتضن السماء المتلبدة بيديها الممتدتين حاملةً مظلةً تصد صفحات المطر كلمات مؤجلة لقصة غير مكتملة.


ظلها المطبوع على الأرض المبللة يتبعها كرفيق سفر أزلي لا يتخلى عنها، يترك انعكاساً لحركتها الناعمة، يحكي قصيدة خاصة بين زمرد الرصيف وزرقة السماء المرصعة بزخات المطر. وصوت خطواتها فوق الألواح يعزف لحناً خاصاً يمزج بين ترقب اللقاء وألق العودة.


بجانبها، تستلقي سكك القطار الباردة، كخيوط القدر التي تحمل أسرار الرحلة. والقطار خلفها يمضي كغموض المستقبل الذي لا ينكشف إلا مع الوقت؛ قاطرة من الحديد تنفث غيمها، موسيقى حاضرة تُعانق ألحان رحيلها.


لكن الفتاة تتقدُم، ربما نحو واحة البيت حيث تتنفس الذكريات الدافئة، أو نحو مرسى الأصدقاء حيث القلوب مراكب تبحر في بحار الكلمات. هي لا تمشي وحدها؛ تصحبها أمانيها، تفاؤلها، وكبرياؤها الهادئ ضد زخات القدر، كل خطوة من خطواتها تُعلن استقلالها عن كل توقع وكل حدس.


مظلتها ليست مجرد مأوى؛ إنها ستارة تفصل بينها وبين فوضى العالم، هي حصنها النبيل وسياجها الشفاف، تارة تكون قصيدة ظل، وتارة أخرى تكون راية ترفرف عالياً في مهب الحياة وصراعاتها.


مُحيطها الممتلئ بالألغاز يُطوِّقها بهمة الحياة، وظلال تحت المطر تنقش على صفحة الوقت خرائط لمسارات غير مرئية، سباقة بين اليقين والمجهول. وبينما هي تتخذ الخطوة القادمة، تُخلّد في رصيف الزمن بصمتها، تنسج من خلالها لوحةً لا تقدر بثمن، أكبر من الزمان والمكان: لوحةً للقلب الذي لا يكل من البحث عن معاني جديدة للحب والحياة.


دكتور مفلح شحادة شحادة كاتب وشاعر المانيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق