الأربعاء، 9 أكتوبر 2024

أحزان الحب للشاعر عبده داود

 أحزان الحب

أيلول 2023

نزهة جوني الصباحية أضحت من مقدساته اليومية، صلاة صامته والشكر  للخالق، والتمتع بشروق الصباح...

يخرج باكرا، يستمتع في سكون الريف،  كما يتمتع  بموسيقى  زقزقة العصافير وتغريد طيور السماء...

جوني لا يزال عازباً رغم أنه تجاوز الثلاثين من العمر، وأسباب  أحزانه وآلامه هو  رحيل حبيبته من عالمنا،  إلى  العالم الأخر...

كانا طالبين في الجامعة بكلية التجارة،  وكانا  مؤمنان

بأنهما من أسعد الناس، وبأن الله هو الذي وحد بين قلبيهما، وكانا قد قررا أن يتزوجا بعد تخرجهما.

سوسن، كانت ذكية جداً، جميلة وحكيمة...  كانت كثيرا ما تشكو من اوجاع في  رأسها، لذلك كانت تتناول مسكنات، ويهدأ الوجع،  وتعود الأمور عادية، وجوني كان يتألم معها  لأوجاعها، لكن ذلك اليوم، أحست بوجع شديد  برأسها وسقطت على الأرض...

اسعفها جوني مباشرة إلى المستشفى، وبعد اجراء الفحوصات اللازمة، تأكد الأطباء من وجود ورم سرطاني في رأسها...

قال الأطباء نسبة نجاح العمل الجراحي في منطقة الورم ضعيفة، لكن عدم اجراء العملية هو خطر حتمي...

خابر جوني أهل سوسن، جاء أبوها وأمها من بلدهم مرعوبين...

أجروا للصبية الجراحة، ولكن الفتاة توفت بعد أسبوع، حينها  رحلت الشمس، وحزن القمر،  وذبلت الأزهار. وحلت الظلمة كل مكان..

لم يعد  الفرح  يعرف  قلب جوني وهو لم  يعد يسمح لأي حب يحاول الوصول إلى قلبه...

الأحزان قضت على  مشاعر الفرح في قلبه، وسكن قلبه الألم.

كان  يصلي  ويدعو لله بصمت أن يرحم  حبيبته ويسكنها  في فردوسه،  وغالباً  تتساقط دموع عيناه.

مرت سنوات  والأحزان قابعة  في القلب الحزين...

صدفة ذلك الصباح، كان يوم عطلة، خطر بباله أن يقود دراجته في منطقة لا يقصدها عادة...فجأة رأى صبية تحتسي القهوة بجانب الورد في حديقة ذلك البيت... ولأول مرة جوني يحدق إلى فتاة بعد حادثة صديقته الراحلة... وقف مشدوهاُ، جمدت عيناه  وهو ينظر إلى شابة تشبه خطيبته سوسن الراحلة شبها  عجيبا...ظن نفسه يهذي،  لكن الفتاة نادته  قائلة: تفضل أستاذ جوني، تفضل احتس قهوة الصباح معنا، أنت لست غريباً، أنت كنت خطيب المرحومة سوسن أختي التوأم، أنا أعرفك من الصور  المعلقة على  جدران  غرفة أختي المرحومة...

وقف شعر رأسه وتجمدت الكلمات في حلقه، جاءت أم المرحومة وعندما رأت جوني اجهشت  بالبكاء.

شددت أم سوسن  على جوني حتى يشاركهم  احتساء القهوة الصباحية  معهم...

استيقظ الأب على أرجة في الحديقة، وخرج يستطلع الامر، تفاجئ بوجود الشاب عندهم، ضمه وغمره بالقبلات، وعيون الجميع اغرورقت بالدموع...

عرف جوني بان العائلة انتقلت حديثاً إلى هذه البلدة بعدما تقاعد الأب وأحب أن يسكن في الريف في هذا المنزل ذو الحديقة الواسعة الذي ورثته أم سوسن من أهلها...

طالت الجلسة، وطالت أحاديث الماضي، وذكريات  سوسن التي كانت روعة العائلة  وبهجتها...وتحولت إلى أحزان لا تستكين...

قصص بللتها أمطار الدموع بلون الجراح التي لا تزال نازفة...

تحت رجاء جميع أفراد العائلة طلبوا  أن يزورهم  الشاب دائما...

وفعلا تكررت الزيارات ، ومع الأيام أخذت تحل الابتسامات مكان الدموع، وأحس جوني بأن قلبه بدأ يخفق من جديد، وحب هدى أخت سوسن بدأ يتسلل إلى قلبه،  وخاف من هذا الشعور  الذي اعتبره خيانة إلى التي يحبها قلبه...

أحست هدى بأن قلبها.   تتسارع نبضاته كلما جاء جوني لزيارتهم. وشعر  هو بان هدى قد تحتل مكان أختها   قسرا عنه

وأحست هي بان جوني هو الحبيب الذي استولى على كيانها بالكامل... 

 كان يشعر بالألم عندما تلتقي عيناه مع عيني هدى اللتان تشبهان عينا سوسن بالكامل... فينفطر  قلبه، ويقول بصمته ساعدني يا رب ألا أجرح مشاعر  هدى  التي سكنت في قلبي... وتغلب الحب  على مشاعر الحزن.  

تزوج الشابان ورزقهما الله صبيا وبنتا...

وهكذا  تحولت  أحزان جوني وهدى يوما بعد يوم  إلى ذكرى أحزان...

الصبي والبنت  صارا في المدرسة وهما كل سعادتهما وسعادة العائلتين. وبقيت صورة  سوسن معلقة على جدار البيت.  لكن حضور هدى كان يتعمق في قلب جوني .  وسوسن بات  ذكرها 

مقيما في قلب الجميع لا يزول.

عبده داود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق