كم كان مرهقاً لروحي
هذا العام كان كطريقٍ وعِر، حجارتُه أثقل من طاقتي، ورياحه لا تعرف الهدوء. كل خطوة كانت كسحابة مثقلة بالمطر، تتقدم نحو أرضٍ متشققة لكنها لا تمطر إلا دموعًا.
أيامي كانت كالنهار الذي تاهت فيه الشمس، فلا النور اهتدى إليّ، ولا الظلام غادرني. كنتُ كطائرٍ مكسور الجناح، يحاول الطيران على أملٍ أعرج، ويقع في كل مرة كأن السماء تعانده.
تآمرت عليّ الأوقات كأنها جيشٌ من الرياح، تُهشم مراكب أحلامي على صخور الخيبة. كنتُ أستيقظ كل صباح وأنا أحمل أثقالًا لا تُرى، وأخطو في دروبٍ يملؤها الشوك، لا يُمهلني لأستريح، ولا يُفسح لي مجالًا لأنسى.
كم مرهقة كانت الأماني حين تلبستني، وكم كان قاتلًا أن أرى بعضها يذوب أمامي كذرات ملحٍ في بحرٍ قاسٍ. أردتُ أن أهرب، لكن الطريق كان دائريًا، يعيدني دائمًا إلى نقطة البداية، كأنما لا نجاة لي إلا بالمواجهة.
هذا العام علّمني كيف تقسو الحياة على من يحمل قلبًا هشًا كزجاج نافذة في عاصفة، وكيف تُغري الأيام أقنعة الودّ لتنكشف عن وجوهٍ لم أكن أظنها غريبة.
رأيتُ فيه كيف تتحول الأحلام إلى عبء، وكيف تتساقط الأوراق من شجرة الأمل حتى بدت لي كهيكلٍ ميت. لكنني أيضًا رأيت فيه حقيقة نفسي، كم تحملتُ وأنا أظنني ضعيفة، وكم وقفتُ رغم الإنهاك الذي جثم على صدري كليلٍ طويل.
كان عامًا مرهقًا لروحي، لكنه علّمني كيف أكون كالندى؛ أعود رغم كل الجفاف، وكالبرعم الذي يتحدى قسوة الشتاء، لأن الحياة وإن أثقلتني، لن تنتصر إلا إذا استسلمت.
وها أنا أُغلق هذا العام كشرفةٍ عتيقة، أترك خلفها غبار الخيبة وأدخل إلى عالمٍ جديد، أخطو فيه رغم التعب، لأنني أدرك الآن أنني، مهما أرهقتني الحياة، لن أكون إلا أنا: فراشة حالمة بقلبٍ يُضيء ولو في عتمة ، طفلة جريئة في مواجهة أمواج بحر الحياة .
د/ نجوى محمد سلام
( الفراشة الحالمة )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق