أنين على ضوء فانوس
في ليلة بهيمة ، الطقس بارد ، والأرض مبللة، فصل شتائي بامتياز، لما توقف المطر، خرجتْ تائهةً تبحث عن بدرها ، تحمل فانوسا لا يتعدى نوره مربع مَمشاها، تسلك سبيلا طويلا بين الأشجار الباسقة ، التي قطعت بصيصا من خيوط النجوم ، وحجبت من السماء بياض السحاب ،وزادها الضباب الكثيف تعتيما ...
تنتعل الحفاء ،وقدماها لا تقدر على صدِّ الوحل العالق بين أصابعها ، وتثاقلت خطواتها ، حتى كدت تحسبها ثملة من ليلة مخمرة ، وما هو إلا سُكْر اليأسِ والألمِ ، أو كحمامة مكسورة الجناحين تنتظر الخلاص من القدر، جسدها يرتجف من شدة القر ، وتحاول تدفئة نفسها كمدا ، بزفير الأنين المنبعث من لظى نبض قلبها ، فيبست شفتاها وتشققت دامية ...
الدموع تنزف سديما ، والكحل يجبن على مجرى سيلها ، لا للزينة بل لطفحه من حروق البكاء ، والجفون تغرب على الوجنين ، تستر احمرار المقل ، لعلها تنذر بالتهاب وارد ، تبكي أطلالها ، وما نقشته على صفحات الأشجار ، وتتلمس مراقدها ومجالسها ، وتقتفي أثر أقدام من تاه منها ، كصياد متمرس تبحث عن شفرة الرحيل المفاجئ ، لتفكَّ قنَّها ...
لعله رحل مع خيوط السراب ، ليعانق أنوار الخيال المنشودة ، ويراقص بؤرا ليلية على أضواء قزح اصطناعية ، أو نزح إلى مكان آمن من أنياب كلاب ضارية ، أو........
وها هي جسد بلا روح ، بعدما حمل نعش روحها بكفنه الأسود إلى مقبرة الآهات ،على مأتم غدر ، وجفاف قلبه من نسيم الحب ...
تراود الخيال المجهول ، بتنهدات جافة ، نابعة من صدى قفصها الصدري ، رُسمت على جدار قلب منهوك...
وتدهس الليل بأحزان الخوف ، وندوب الفراق ، ولفاف أشواك الليلك التي أدمت قدميها ، وتحمل نعش ما في القلب إلى مثواه الأخير، حين هد قصور أحلامها ، ونسج سلطانها خيوط الرحيل على سفينة عمياء ...
محمد خالد الأمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق