الخميس، 29 مايو 2025

إنحناءة رقة للشاعر محمد الحسيني

 إِنْحِنَاءَةُ رِقَّةٍ ***

.............................


تُطيلُ الوُقُوفَ في ضَوْءٍ لا يُشْبِهُ الصَّبَاحَ،

كَأَنَّهَا نَبَتَتْ مِنْ لَحْظَةٍ لَمْ تَحْدُثْ،

تَفُوحُ بِبُطْءٍ… كَمَا يَفُوحُ السُّؤَالُ مِنْ غِيَابٍ،

وَلَا تُزْهَرُ،

بَلْ تَكْتَفِي أَنْ تَمِيلَ.


وَرْدَةٌ تَتْقَنُ فَنَّ الإِنْحِنَاءِةِ

تَتَدَلَّى كَنَغْمَةِ رَقْصَةٍ مِنْ حَنِينِ بَتْلَةٍ

تُمَالِحُ جَمْعَ النَّسَائِمِ نَعُومَةً وَ... تَتْرُكُ لِلظِّلِّ وَجْهَةَ التَّفْسِيرِ.


هِيَ لا تَعْرِفُ شَيْئًا عَنْ هِيَ

مَنْ تَتَدَلَّى الآنَ بَيْنَ كُرْسِيٍّ وَطَاوِلَةٍ

تَضَعُ قَدَمًا عَلَى أُخْتِهَا

وَتُودِّعُ جَيْدَهَا ضِيَافَةَ حَائِطٍ مَسْحُورٍ.


وَحَيْثُ تُوتُّ عَلَى خَصْرِ إِنْحِنَاءَةٍ

عَلَى كَتِفٍ ... عَلَى سَتَائِرِ عِطْرٍ

بِشَهْقَةِ كُرْسِيٍّ

بِامْتِزَاجِ طَاوِلَةٍ

كَأَنَّمَا ... قَوْسٌ مَشْدُودٌ وَتَرُّ الخَجَلِ

تَرْمِيهِ الحَوَاسُّ بِسَهْمٍ يُصِيبُ وَلَا يُرَى.


وَفِي إِحْنَاءِةِ غُصْنٍ وَاحِدٍ ...

الضَّوْءُ وَالمَمَرُّ وَالهَوَاءُ

الحَائِطُ وَالسَّاعَةُ وَكُرْسِيُّ الطَّاوِلَةِ

كُلُّ وَضْعٍ يَدِهِ عَلَى قَلْبِهِ

وَيمْسِكُ أَجْنِحَةً.


هِيَ مِنْ دُرُوسِ تَعَلُّمِ الإِنْحِنَاءِ كَيْفَ يَكُونُ سَهْوًا مُتَرَفًا

لِجَسَدٍ فِي ذَوَاتِهِ مُوسِيقَى

يَغْفُو عَلَى حَوَافِ سِحْرٍ وَلَا يَسْقُطُ

وَذَاتُ قَمِيصِهَا الأَبْيَضِ: نَثْرٌ بَدِيعٌ فِي حَضْرَةِ الأَنْفَاسِ

وَيَا لِهَذِهِ الوَقْفَةِ...


سَاعَةٌ سَاعَةٌ لَا تَجْرُؤُ عَلَى المَضِيِّ

وَأَثَاثُ مَا حَوْلَهَا يَقْلِمُ صَمْتَهُ بِخُشُوعٍ

ت . ت . م . ا . ي . ل ... فَلَا تَشْبَهُ الوَرْدَةَ بِشَيْءٍ سِوَى ... أَنَّ كِلْيَهُمَا يُرْبِكُ الأَشْيَاءَ وَلَا يَعْتَذِرُ.


كُلُّ الإِنْحِنَاءَةِ تَنْطِقُ بِلِسَانِ غَنَجٍ

وَوَشْيُ اللَّوْحَةِ ثَغْرُ عِنَبٍ نَاضِجٍ يُرْبِكُ الشَّجَرَةَ الخَجُولَةَ

لِتَسْتَدِيرَ فِي نِصْفِ غَمْزَةٍ

كَأَنَّهَا تُودِّعُ أَيَّ زَاوِيَةٍ فِيّ لَمْ تَعْرِفْ بَعْدُ

لِتَعُودَ المَرَّةَ الأُولَى مَا

بَيْنَ كُرْسِيٍّ وَطَاوِلَةٍ

مَا بَيْنَ بَيْنِي وَبَيْنِي.


تَقُولُ شَيْئًا ...

أَيُّ شَيْئٍ

فِي مَحَارَاتِ نَغَمٍ لَا تَشْبَهُ لُغَةَ البَشَرِ

بَلْ مَا يَشْعُرُ بِهِ جَسَدٌ حِينَ تَأْكُلُهُ النَّظْرَةُ.


نَغَمٌ كَأَنَّهُ خَرَجَ تَوًّا مِنْ حِضْنِ وَسَادَةٍ

أَوْ نَافِذَةٍ تُقَبِّلُهَا الشَّمْسُ قَبْلَ النُّهُوضِ

لِتَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ وَلَا تَتَذَكَّرَهُ

وَلِأَفَكِّكَ حَرْفَ السُّؤَالِ كَمَا تُفَكِّكُ الشَّهْوَةُ أَزْرَارَ القَمِيصِ.


كَانَ يُمْكِنُ لِلْهَوَاءِ أَنْ يَتَحَوَّلَ مُوسِيقَى لَوْ أَنَّهُ فَهِمَكَ

وَكَانَ يُمْكِنُ لِلسَّاعَةِ أَنْ تَتَوَقَّفَ لَوْ أَنَّهَا تَمْلِكُ قَلْبًا

وَأَنَا ... مِنْ لَمْ يُحَرِّكْ سَاكِنًا

وَقَدْ تَمَايَلَ الحِبْرُ دَاخِلَ قَلَمِي

وَارْتَجَفَ الظِّلُّ وَرِقَةُ ظَلِّي

وَغَافَلَنِي الكُرْسِيُّ ...

لِيَقْتَرِبَ مِنَ الوَرْدِ فِي نِصْفِ خُطْوَةٍ دُونَ أَنْ يَتَحَرَّكَ.


قَدْ شَمَمْتُ إِنْحِنَاءَكَ بِرَائِحَةِ الرِّقَّةِ

بِوَشْيٍ يُغَنِّي ...

بِأَلْوَانٍ تَشْتَعِلُ عَلَى وَجْنَتَيْكِ

وَقَدْ ... أَضَاءَتْ كُلَّ مَا خَفِيَّ فِيّ.


تِلْكَ اللَّحْظَةُ الَّتِي لَا تُقَالُ

كَأَنَّهَا وَرْدَةٌ زَوَايَا الضَّوْءِ تُنَادِينِي

لِأَكْتُبَ الحَنِينَ قَصِيدَةً

وَأَنَا ... لَسْتُ سِوَى عَاشِقٍ

نَسِيَ كَيْفَ يَتَنَفَّسُ إِلَّا حِينَ تَمِيلُ الحبيبة


( محمد الحسيني )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق