السبت، 10 مايو 2025

كما لو أنني أتنزه للشاعر محمد الحسيني

 غواية المقاعد الخلفية – 1

"صدفة على إيقاع العيون"


حقيبةٌ أَجلَسَتها قُربي،

في المقعدِ الخلفيِّ،

أحتمي بكتابٍ كعباءةٍ،

يُزيح عنّي ثقلَ الوقت،

وهو، على أيِّ حالٍ، مائدة.


"ماياكوفسكي"...

كما لو أنّني أتنزّه في زمنٍ لا يمتُّ إلى حاضرٍ بصلة،

رُبّما لأقبضَ به ظلالَ حرف،

أو أتهجّى روحَ شاعرٍ أنشدَ العبقرية.


وها هي الحافلةُ تصرخُ، معلنةً نداءَها الأخير،

بأقدامٍ تحثُّ الخطى، تتعلّقُ ببابِها،

ونظرةٍ إلى أوّلِ مقعدٍ يحملُها.

لم يكنْ من مجالٍ لإختيار،

مقعدٌ واحدٌ ينتظر خلفَ السائق مباشرة،

وكان الراكبُ الأخير... أنثى.


إنطلقتِ الحافلةُ بجُنونِها المعتاد،

كأنَّ الجميعَ حجارةٌ في لوحة،

وحدها... يتحرّكُ بها المقعدُ،

وتُستفَزُّ لها المشاعر.

أظنّها لم تستقرّ منذ أن جلست،

كأنّها تبحث... ولا تبحث.


تتشاغلُ،

تمسكُ مشابكَ شعرِها،

تتذكّر شيئًا...

تفتحُ الحقيبة،

تُخرِجُ مرآتها،

لعلّها تُعيدُ ترتيبَ جمالِها،

أو تسترقّ النظرة إلى حيثُ أَجلِس.


مهلًا... لِمَ كلُّ هذا الاهتمام؟

يقعُ الكتابُ من يدي،

أتململ،

وألقي اللومَ على سرعةِ السائق،

لا على إنذهالي.

ألتقطُ كتابي وأبحث...

يا الله، عند أيّ صفحةٍ جلستُ؟


لحظةُ تفكّر:

لِمَ أنا أُراقبُها؟

لا... بل هي تراقبُني.

تتشاغل، وتُكثِرُ الالتفات.

لم يكنِ الكتاب، ولا أنا...

لكنّها كانت هناك،

كأنَّ الضوءَ استعجلَ الوصولَ إلى عينيها،

كأنَّ الوقتَ تعلّقَ بخُصلةٍ هاربةٍ من وشاحِها.


كنتُ أسترقُ النظرَ كما يسترقُ العاشقُ الدعاء،

أغوصُ في حروفٍ لا تُقرأ،

وكلُّ التفاتةٍ منّي... صلاةٌ خجولةٌ نحوها.


كانت ترفعُ يدَها ببطء،

كأنّها تعزفُ على وترِ الهواء،

تُعدّلُ قلادتَها،

تُصفّفُ النسيم،

وتلتفتُ إليَّ،

وتُلقي حكاياتٍ من دونِ كلام،

في فصلٍ كاملٍ... من الغواية.


( محمد الحسيني )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق