الاثنين، 30 يونيو 2025

أتمنى لومضة للشاعر صلاح المغربي

 أتمنّى لومضةٍ

أرقص مع شُهبٍ تذوب في كفِّ اللامُتناهي،  

أصطاد ريح الخيباتِ بشبكةٍ من ندى،  

أزرع نجمةً بصحراء الذاكرة اليابسة،  

أُسمع صرخةَ الصمتِ محفورةً على جبين صخرةٍ،  

أسرق ظلّي من مرآةِ الزمن المتشققة،  

أذيب ساعةً في فنجانِ وجودٍ مُرٍّ،  

أقلّب وجه القمرِ كعملةِ فضّةٍ غامضة،  

أعتذر لطفولتي المعلّقةِ على حبلِ غسيل النسيان،  

أنقش حُلمنا على جلد غيمةٍ قبل أن تمطرَ ذكرى.


أرجو لضربةِ قلبٍ 

أطفئ شمسَ اليقينِ بنَفَس شكٍ مُتجمد،  

أنسج نهرًا من خيوط دمعٍ مُتمرّد،  

أصارع ظلّي حتى يبصق أسراره الباهتة،  

أخبّئ قمرًا في جحرِ أوهامٍ مهجورة،  

أمزّق خريطةَ الأقدار بسكّين عزيمة،  

أسقي وردةً بدمِ جرحٍ لم يندمل،  

أصالح بين الرماد والماء في بوتقة الروح،  

أتعلّم لغة الصقور لغةَ السقوطِ بجناحين مكسورين،  

أعلّق قلبي على ساريةِ سفينتكِ رايةً للغرق الجميل.


أسعى لشهقةٍ

أبتلع برقًا دون أن يحترقَ صمت حنجرتي،  

أربّي سحابةً في قفصِ أسئلةٍ بلا جواب،  

أعطّر عاصفةً بعطرِ وردةٍ طعنتها الأشواك،  

أقرأ تاريخَ العالمِ على ظهر سلحفاةٍ تمضي للاّعودة،  

أطوي الجبالَ كطيّاتِ ثوبٍ بالٍ من زمن الجبابرة،  

أسمّم كأس النسيان بقطرة ذاكرةٍ مُعلّبة،  

أرقص على حافة الهاوية وأنا أغنّي لبذرة جناح،  

أهزّ غبار السنين عن كتفي فتنكشف ندوب الطفولة،  

أنام في قفص أضلاعكِ طائرًا يبني عُشّه من قشور الألم.


أطلب لزفرةٍ

أشعل بحرًا بعود كبريتٍ من أضلاع محترقة،  

أمسك موجًا وأجعله سجّادًا لصلوات ضائعة،  

أُخرج أسدًا من قبّعة ساحرٍ أضاع أوراقه السود،  

ألعب نرد الأيام بعينٍ مكفوفة ويدٍ مرتعشة،  

أجمد لحظة فرحٍ في مكعب ثلج كي لا تذوب مع الصباح،  

أصارح المرآة: "أكاذيبي أصدق من وجهي"،  

أرمي خوفي في سلة مهملات فتنبت أزهار جنون،  

أعلّم طيرًا مهاجرًا عنوان بيتي بيتٌ بلا سقف،  

أدفن سرّي تحت شجرة لوزٍ في فناء روحكِ كي يُزهر مرّين.


أرغب لرفّة جفنٍ 

أطير بلا أجنحة فوق مدنٍ نائمة على وسادة غبار،  

ألوّن الصحراء بدموع فراشةٍ حلمت بالياقوت،  

أفتح بابًا سريًّا في جدار الزمن فأجد طفلي يبكي،  

أشعل نجومًا بأظافري فأحرق كفّيَّ بالنور،  

أتذوّق طعم السحاب ملحٌ يذوب في بحر الحنين،  

أبطئ دوران الأرض لأجمع شظايا قلبي المتناثرة،  

أهدّئ بركانًا بلحن حزينٍ يعزفه عود من رماد،  

أتقبّل شروقًا جديدًا بوجهٍ لم يغسله المطر،  

أزرع قبلةً في رمال صمتكِ فتنبت نخلة تحمل اسمي.


أتمنى لوميض برقٍ

أكسر قيود الجاذبية كأسير يمزّق قميص سجّانه،  

أصهّر صخرًا بنظرةٍ تذوب فيها حدود المستحيل،  

أمسك قوس قزح كأفعوانية أدور حتى أتقيّأ ألوانًا،  

أقرأ أفكار شجرة بلوط عجوز مكتوبة بحبر الجذور،  

أطوي المسافات كطي رسالةٍ لم يجرؤ أحد على إرسالها،  

أخبّئ شمس الظهيرة في جيبي كي لا تحترق أحلام العابرين،  

أرقّص أحزاني على أنغام مبهجة رقصة الموت الأخير،  

أخلع قناع الأمس فأرى وجهي عاريًا كالصحراء،  

أجد ظلّي الضال تحت قدميكِ يُنبت زهر الشوك.


أتوق لخرير ماءٍ

أغرق صراخ المدن بصوت نبعٍ يغسل أوجاع الأرض،  

أزرع بستانًا على ظهر سحابة فتمطر تفّاحًا وحرمانًا،  

أحرّر صوتًا مسجونًا في صدى كهفٍ ابتلع ألف حكاية،  

ألعق جرح الأرض فأتذوّق طعم الدم والطين والانكسار،  

أقلّب الليل نهارًا بعصا سحريةٍ من عظم طائر منقرض،  

أسرق ضحكةً من وجه عابس فأرى الشمس تشرق من عينيه،  

أصلح جناح فراشةٍ مكسور بإبرة من شعاع قمر،  

أتقبّل المطر بلا مظلّة كي يغسل غبار المسافات عنّي،  

أذيب قلبي في فنجان قهوتكِ الصباحية فتشربين مرَّ وجودي.


أبتغي لصمتٍ

أحدث دوّيًا يُزلزل جبال الغرور بوادي الأوهام،  

أركب ظهر نمر ورقيط في رحلة لمملكة الأساطير المنسية،  

أبني قصرًا من أوراق الخريف قبل أن تحرقه ريح النسيان،  

أُخرج كنزًا من بئر جاف عظام أحلامٍ ميّتة،  

أتحدّى الموت بمبارزة ألغاز أربحه بلعبة نورس وحيد،  

أجمد دمعًا قبل سقوطه فأرى الكون منعكسًا في زجاجة حزن،  

أفتح نوافذ روحي للرياح الأربع كي تنفخ رماد الذكريات،  

أمسح غبار الخيبات عن قلبي فأكتشفه مرآة مكسورة،  

أنقش وعدًا على لحاء شجرة في حديقة أحلامك  وعدٌ لا شمس تنضجه.


أريد لشرارةٍ

أضيء كهفًا بظلامٍ أشد وَهجًا من ألف شمعة،  

أسبح في بحيرة زجاج مكسور فأجرح الماء وأعوم فوق دمي،  

أحاور شبحًا على ضفّة نهرٍ يحمل أسماء الغرقى للبحر،  

أطوي السماء كطائرة ورقية أفقد الخيط ويضيع الأزرق،  

أتذكّر وجهي قبل ولادتي طين وضوء وعدم،  

أهدم سجن العادات بساقية حنين إلى المجهول،  

أربت على كتف طفلي الداخلي  وأهمس: "تعال نلعب بحقل الأسئلة"،  

أتعلّم فن السقوط كي أطير من قبر الجاذبية،  

أعلّق نجمة على شرفة عينيك فتنير درب الغرباء لبيتنا.


أتمنّى لنبضةٍ

أعيد تشكيل الكون بكفّيَّ أخلط النجوم برمل الصحراء،  

أمسك قمرًا كالون بالون أطلقه في سماء بلا سقف،  

أزرع غابة في رئة دخان كي تتنفّس المدن أخضرًا،  

أخرس صفارات الإنذار بنغمة عودٍ يعزف على أوتار المطر،  

أسبح عكس تيّار النسيان أصطاد وجوهًا غارقة بقاع الزمن،  

أذوّب جدار جليد بنَفَسٍ يكتب قصيدة على زجاج القلب،  

أعانق شيطاني أنزع قناع الخوف وأراه طفلاً يبكي،  

أخلع أثقال الأسماء فأصير حرفًا بلا معنى بكتاب الوجود،  

أنسج خيط قدري من حرير أنفاسك أحيك عمرًا لا يكف عني.


صلاح المغربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق