. * نُورٌ ودَيْجُورٌ *
شَيءٌ مَا يَنبَثِقُ مِنْ أَعمَاقِ لُبِّ نَفَسِي،
يَنبَعِثُ كلَحنٍ حزينٍ مِن أوتارِ الغُمُوضِ حِينَ أُلْقِي بِبَصَرِي عَلَى الْأُفقِ،
يَبْحَثُ فِي عَيْنِ الكون عَنْ نَبْضِ الحَقِيقَةِ المُتدثِرَةِ في الخَفاءِ،
يَتَّسِعُ لِيَحتَوِي كُلَّ مَا هُوَ أَمَامِي حَتَّى يَبْلَعَ سِرَّ الْمَعرِفَةِ وإشرَاقَ العِرفَانِ،
يَذُوبَ فِي كُلِّ بَهَارِ الْكَونِ،
يَتَسَلَّلُ مِثْلَ صَلاةٍ سَاكِنَةٍ تَرقَىٰ فِي دَرَجَاتِ سَمَاءِ الوِصَالِ،
يَنْفَلِتُ كَوَهَجٍ خَفِيٍّ على سُلَّمِ التَّسبيح لِعَليَاءِ الإِدرَاكِ،
يُسَافِرُ مُحَلِّقًا فِي كُلِّ الدُّنيَا مُتجَاوزًا كُلَّ مُتغَّيرٍ ومُعثِّرٍ،
فِي كُلِّ مَا يَلُوحُ مِن رَاسِي شِراعٍ عَلَىٰ شَوَاطِئِ النُّورِ،
يَسْبَحُ كَرُوحٍ أَبَدِيَّةٍ فِي نَهْرِ الحَيَاةِ صَوبَ كُلِّ الضِّفَافِ،
كَأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْحَيَاةِ الْمُرْتَحِلَةِ فِي أَسْفَارِ الزَّمَنِ،
يُبْصِرُ مَا لَا كُنتُ أَرَىٰ،
يَرَىٰ مَا لَا تَرَاهُ الْعُيُونُ علىٰ مَرَايَا الجُدرَان،
يَعرِفُ مَا كُنتُ أَجْهَلُ،
يهَمَس بحَقَائِقِ قَبْلَ أَنْ تُولَدَ عَلىٰ الأفقِ المَنظُورِ،
يَفْهَمُ مَا لَا كُنتُ أُدرِكُ،
يُفَكِّكُ أربِطَةَ الْغيْبِ لبَوحِ الكشفِ،
فَتَسْرِي فِي كِيَانِي نَشْوَةٌ عُظْمَىٰ كَونِيَّة الأبْعادِ،
نَشْوَةٌ تُسَكِّنُ غَربَاءِ التَّسَاؤُلِ عَنِ المَحيَا والمَصِيرِ،
تُطْفِئُ صَخَبَ الشُّكُوكِ علىٰ وِسَادةِ الٱطمِئنانِ،
أَحسُّ بِالْعَالَمِ أَكْثَرَ بِلَا قُشُورٍ مِنْ وَاعِيَةٍ تَفِيضُ بِالضِّيَاءِ،
أَحسُّنِي كَأَنِّي أُولِدُ لِلمَرَّةِ الْأُولَىٰ مِن قلبِ الأنوَارِ،
مُنزَهًا مِنْ كُلِّ زَيْفٍ،
مُتَّحِدًا مَعَ كُلِّ جَمَالٍ،
كَأَنَّ رُوَاءَ الْكَونَ بَعضٌ من نَفَسِي وبَعضٌ مِنهَا كُلُّ البَهَاءِ،
وأَنَا الْخَفِيُّ المُتخَفِّي الَّذِي يَبحثُ عَنِ الظُّهُورِ فِي الكَمَالِ،
أَجِدُ نَفسِي فِي عَراءِ أَنوَارٍ عُلْوِيَّةٍ تَنْبُعُ مِنْ حَرَائِقِ قَلْبِي الْمُتَجَلِّي وَسْطَ النَّارِ، قَلبِي المُحترِقُ بِلَا فَناءٍ،
أنوارٌ تنبعُ مِنْ تعَطُّشِ وَجْدِ فُؤَادٍ لِلْجَمَالِ،
وَجدٌ يَرتشِفُ المَحبَّةَ مِنْ لَهِيبِ الٱنتِظَارِ،
مِنْ عَذَبَاتِ رُوحِي لِلٱنعِتَاقِ فِي فِطْرَةِ الْحُرِّيَّةِ لِتمَامِ ٱلْٱكْتِمَالِ،
رَوحَاءُ رُوحِي تَتفَتَّحُ كَزَهْرَةٍ فِي فضَاءِ الْٱرتِقاءِ،
كَأَنَّنِي طَيْفٌ مِنْ نُورٍ يُخَيِّمُ فوقَ صَفْحَةٍ مِنْ رَقرَاقِ مَاءٍ،
طَيْفُ عَاشِقٍ يَضُمُّ مَعشُوقَتَهُ فِي ذُهُولِ عِنَاقٍ،
طَيْفٌ يُقَبِّلُ خَيَالَ حَبِيبَتَهُ ثُمَّ يَتَبَخَّرُ فِي مَدِيدِ أجوَاءِ الفضَاءِ،
أتبخَّرُ صِنو قطْرَة مَاءٍ عَانقَتْ جَمرَةً مُلتهِبَةً فِي أُتُونٍ مُشتعِلٍ بِمُضطّرَمِ النَّارِ،
كَأَنَّنِي سُحُبٌ مِنْ دُخَانٍ مُتَشَرِّدٌ فِي مَتَاهَاتِ الضَّيَاعِ،
كَأَنَّنِي صَوتٌ فِي كَثِيفِ سَدِيمِ الوَحشَةِ يَتنفَّسُ الصَّمتَ،
أظْهَرُ فِي النُّورِ ثُمَّ أمضِي عَاريًا في لفائِفِ الظَّلامِ،
كأنَّنِي سُلْطَانٌ مَنْفِيٌّ عَنْ مَلَكُوتِهِ بِلَا أَرضٍ وسَمَاءٍ،
مَنْفِيٍّ نَسِيَ رَسمَهُ ومَزَّقَتهُ أشجَانُ الْغُربَةِ لِمُرتحِلٍ بِلَا عُنوَانٍ،
كَأَنَّنِي وَهْمٌ يَمُورُ فِي طَلْسَمِ السَّوَادِ،
يَتساقطُ كأورَاقٍ جَافةٍ في قبضَةِ الرَّمادِ،
حُلْمُ خُرَافَةٍ يَسْكُنُ قَبْرًا مَهْجُورًا وَسْطَ خَرَائِبِ الْآثَارِ،
أطلالٌ مُتهَالكةٌ مِن أزْمِنةِ كرَّاتٍ تدورُ حَولَ بُركَانٍ يَتنفَّسُ الصَّعدَاءَ،
وكُلُّ مَا حَوَالَيَّ أَموَاجٌ مُتَكَسِّرَةٌ تَتَهَاوَىٰ فوقَ دَقائِقِ رِمَالٍ غبرَاءٍ،
أَخِيلَةُ سَرَابٍ مِن أهْبَاءٍ،
كَأَنَّنِي ضَوْءُ شَمْعَةٍ تَحتَرِقُ فِي قَارِبٍ مُبْحِرٍ وَسْطَ الْعَبَابِ،
وَسْطَ بَحرٍ مِنَ الظُّلُمَاتِ والضَّبَابِ،
بَحرٌ يَغشَاهُ الذُّهُولُ وتسْكُنهُ التَّناقضَاتُ والأَسرَارُ.
من ديوان في ظلال الشمس لمؤلفه :
المهندس فتحي فايز الخريشا
( آدم )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق