'صفعة عجفاء'
بقلم الشاعرة فاطمة الزهراء النعوم
"..أتجهز كتلك العانسِ التي ستَظفر برؤية خطِيبها الأول والأخير ربما،
كنجْمةٍ ظَلَّت تَشعُّ حلكَة الليالي و سُدفةَ الغَسَق،لكن لا بدر إلى جانبها ظهَر،
كتِلك الزَّهرةِ التِي ما يوماً فقدَت أَملَها في ماءٍ يسقي أوراَقَها،فَتَفتحَتْ ومدَّتْ يَدهاَ لتَرتَشِف ماءَ المطر ظمأً و ارتواءَ،
وكَما عروسٍ ظلَّتْ تتزين ليلةَ عُمرِهاَ كي تَشِي بفِتْنَتِها أمامَ الكلِّ وما الكلُّ سِوَى حَبيبُها،
تَجمُّلاً بكلّ هاته الأرْواحِ،و سَقياً من كل هاته الأقْداح أَتَكَحَّلُ؛ وهل لي حبيبي كُحلٌ سواكَ بهِ أَملأُ المُقلَ إلىَ أن تقولَ كفَى لا صُراخاً و إنَّما دمعاً فَرِحاً بإحتضَانِهِ لكَ داخِل رَمشِ الجُفُون!
هائمةً تجهزتُ وما على أَرضٍ كالأَرضِ مَشيتُ بلْ إلى سابعِ سماءٍ حلَّقتُ وما إلى رُشدي عدتُ وما أَظُننِي يوماً سأَفعلُ.
قَضماً بِعَينَيَّ أبتَلِعُ الطريق عَدواً دون عَودة؛ فقط كي أَتَنعّم بِتَينكَ الجَنّتينِ اللّتان أظَلَّتا السَبيلَ في متاهاتِ الحياة عني فَنَسِيَتَانِي. أُهروِلُ كالتِي فَقَدت حَرْفَهاَ وعقْلهَا وما ظَفرتْ سوَى بفؤادٍ مُمزقٍ؛ كأوراقِ انتخاباتٍ أضحت بعد يومِ الاقتراعِ رُكاماً تَأكُله النّار أياماً معدوداتٍ فَينتَهي، شَغَفاً أتلَّهفُ لمحةَ بصرٍ من رؤيَتِك التِي تُثْلجُ صدري، فهرولةً أَطرحُ الطريق أمامك كلك. أتحضّر، فأَلمَحُكَ من بعيدٍ، وكما عادةِ سذاجتِي على المِحكِّ تَعتَدِلُ وتَحُثُّني على المِثْل، وكما يفعل الشعبُ عند حضورِ ملكِهِ فعلتُ وعن الإنضباط مَا امتنَعتُ،لكَ كلِّي انصَعتُ،لكِن سحقاً لي ولَهُ.فما إن يلفَحُ أنفي عطرك إلَّى وتبتَعِدُ أنتَ قَبل حتّى أن أَمدَّ يدِي لِلسّلاَم فهذا أقلُّ ماقد يرِثُهُ يا حبيبيَ السكوتُ مِن الكلاَم،تبْتَعد كَغبيٍّ جائعٍ شَمشمَ رَائحةَ طعامٍ زكية فجرى ورائَها ركضاً ولَهفةً،جوعاً وتَضَوراً. بلْ أنا الغبيةُ المِسكينَةُ التي ظَنَّت أنّهُ بوُقوفِكَ أمامَهَا سَتُكلِّمهَا،و من حُلْوِ عبارَاتِ لُغَتكَ وشِعرِكَ سَتُذيقُهَا، لكن صدمة الأيام لم تَكفِيهَا،بل زادتها صَفعَةً فوقَ الصَّفْعَة عَلَّهَا من الغرَقِ هُياماً تُنجيهَا.
وما كانَ منِّي هناك بَقِيَّ، لم يَقوَى على الحِرَاك، فَخرَّت رُكبتَاي أرضاً؛ ولأَمرها جِسمِي انصَاع في ذُهُولٍ و موتٍ وعجولِ صُراخٍ؛ صَدمةً.
وهناك ظلَلْتُ أَذوبُ على فِرَاق نَظَائِره وظفائِر مُقلِهِ وعلى خُدودي أَرسُمُ عَلَم النحيبِ بأظافِري وبُكاءٌ حادٌّ مبْحوحٌ لم يُفارقني، وكمِثل تلْك الثكلى التي مابَرِحت قبر ابْنِها مِثلي أنا التِي بِدورِها مابرحتْ مكانَ وفاتِها بعدماَ مرَّ بَدْرُهَا من أمامهاَ، وعِوَض جَمِيلِ سَلامٍ بالقُبلُ بالرَصَاص اسْتقبَلهاَ..
فمهما من مكاني زُحْزِحتُ،روحِي ما انْتُشِلَت؛ هُناكَ صُلِبت إلى أن خفاءً مُتُّ."
بقلم: فاطمة الزهراء نعوم/ المغرب