(عصَفَتْ ريحُ السفر )
بقلم الشاعر بسام الأسبر
عبرَ الأمسُ وكانَ الأمسُ..... نغمة
سافرَ الأمسُ بِحضن الريحِ ..... صارَ الأمسُ ذِكرى
فَرَشَتْ صدرَ الغيومِ الزرقِ.... ترتادُ الفضاءْ
ضمَّخَتْ بالطيبِ أنسامَ الجنوبِ
يالصوتِ الريحِ كم يحملْ معاني..!!
مرّةً يأتيكَ نصفَ الليلِ كالأمِّ الرؤومِ
يُنعِسُ التسهيدَ في عينيكَ
يُعطي الليلَ رِقّة
ويُلامسْ جفنَكَ طيفُ الكرى
مرّةً أُخرى تجيءُ الربحُ غُنوة
تُرقصُ الأورادَ والزهرَ وأفنانَ الخميلة
توقِظُ الإحساسَ والأنفاسَ في الروح الجميلة
تحملُ البردى وصوتَ الناي
من أعلى السفوحْ
تمزجُ الألوانَ والأشكالَ
في جسمٍ وروحْ
مرّةً أخرى تجيءُ الربحُ لعنة
صرصرٌ نشوى بتفليعِ الشجرْ
وبتكفينِ الحياةْ
حيثما حلّتْ يحلُّ البينُ والوقتُ المفارِقْ
تفترسْ منّا بهاءَ الروضِ والطيرِ المُسامرْ
صوتُها جِرسٌ نذيرٌ بالخطرْ
يتناهى كالعويلْ
فإذا ما عصَفَتْ ريحُ السفرْ
أثرَ الصحبُ الرحيلْ
وحديَ الباقي كخازوقٍ بصدرِ الأرضِ
لا أدري
لماذا الريحُ جازَتني
وقد حنّيتُ أن أُمسي
كطيرٍ يعشقُ الترحالَ
إذْ ملّتْ قوى نفسي
وغارَ الصبرُ في قِعري
أنا الجذرُ الذي قد عانقَ التربة
أحِنُّ اليومَ للغربة
أما ياريحُ زوبعةً تُشلّعني من الجذرِ
تُزوبعُني وتُلقيني وراءَ مشارِفِ البحرِ
أنا حزنٌ عميقُ الغورِ
أشكو حالةَ الفِقدانْ
مريضُ الحسِّ مُرهَفُهُ
صريعُ عواطِفِ الوِجدانْ
أعيشُ مَضاضَةَ الوجدِ
وأشواقي تُحاصِرني
وتفعلُ في مضاميني
لِهجرِ الصحبِ والخِلّانْ
لا أدري...!!
لماذا أحنُّ من قدميَّ حتّى مفرقِ الرأسِ
صديقتي أنتِ راحلةٌ
أتشكو روحُكِ الغصّة كما روحي..؟!
أتبكي روحُكِ الذكرى كما أبكي..؟!
صديقتي سُدرةُ الإحساسِ مجهولٌ
كَيمٍّ ساكنِ السطحِ
وفي أعماقِهِ حربٌ
صراعُ الموجِ للموجِ
صديقتي... فطرتي الإخلاصُ الصحبِ
وشوقي عارمٌ أبداً
وقلبي تائقٌ أبداً
فإن ينأونَ عن عينيَّ أزرفْ دمعةَ الحبِّ
ويبقى بين جِنحيَّ
وفاءٌ يأنَفُ النسيانْ
مهما عزّتِ اللُقيا
وتبقى عنديَ الذكرى
ككأسِ الخمرةِ الملأنْ
لا يبخَلْ لدى السُقيا
شعر: بسام الأسبر